وقرأ معاذ بن جبل ﴿ يَكسِبْ ﴾ بكسر الكاف والسين المشددة وأصله يكتسب ﴿ أَوْ إِثْماً ﴾ أي كبيرة أو ما كان عن عمد، وقيل : الخطيئة الشرك والإثم ما دونه، وفي "الكشاف" الإثم الذنب الذي يستحق صاحبه العقاب، والهمزة فيه بدل من الواو كأنه يَثُم الأعمال أي يكسرها بإحباطه، وفي "الكشف" كأن هذا أصله، ثم استعمل في مطلق الذنب في نحو قوله تعالى :﴿ كبائر الإثم ﴾ [ الشورى : ٣٧ ]، ومن هذا يعلم ضعف ما ذكره صاحب القيل ﴿ ثُمَّ يَرْمِ بِهِ ﴾ أي يقذف به ويسنده، وتوحيد الضمير لأنه عائد على أحد الأمرين لا على التعيين كأنه قيل : ثم يرم بأحد الأمرين، وقيل : إنه عائد على ﴿ ءاثِماً ﴾ فإن المتعاطفين بأو يجوز عود الضمير فيما بعدهما على المعطوف عليه نحو ﴿ إِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا ﴾ [ الجمعة : ١١ ] وعلى المعطوف نحو ﴿ والذين يَكْنِزُونَ الذهب والفضة وَلاَ يُنفِقُونَهَا ﴾ [ التوبة : ٣٤ ]، وقيل : إنه عائد على الكسب على حدّ ﴿ اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى ﴾ [ المائدة : ٨ ]، وقيل : في الكلام حذف أي يرم بها وبه و﴿ ثُمَّ ﴾ للتراخي في الرتبة، وقرىء ( يرم ) بهما ﴿ بَرِيئاً ﴾ مما رماه به ليحمله عقوبة العاجلة كما فعل من عنده الدرع بلبيد بن سهل أو بأبي مليك
﴿ فَقَدِ احتمل ﴾ بما فعل من رمى البريء، وقصده تحميل جريرته عليه وهو أبلغ من حمل، وقيل : افتعل بمعنى فعل فاقتدر وقدر ﴿ بهتانا ﴾ وهو الكذب على الغير بما يبهت منه ويتحير عند سماعه لفظاعته، وقيل : هو الكذب الذي يتحير في عظمه، والماضي بهت كمنع، ويقال في المصدر : بهتاً وبهتاً وبهتاً ﴿ وَإِثْماً مُّبِيناً ﴾ أي بيناً لا مرية فيه ولا خفاء وهو صفة لإثماً وقد اكتفى في بيان عظم البهتان بالتنكير التفخيمي على أن وصف الإثم بما ذكر بمنزلة وصف البهتان به لأنهما عبارة عن أمر واحد هو رمي البريء بجناية نفسه.