وقد تلا هذه الفقرة فقرة أخرى فيها تحذير وتهديد لمن يظلون قاعدين هنالك في دار الكفر - وهم قادرون على الهجرة منها بدينهم وعقيدتهم - حتى تتوفاهم الملائكة ﴿ ظالمي أنفسهم ﴾.. ﴿ فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً ﴾..
ثم تلتها فقرة أخرى عن ضمان الله سبحانه لمن يهاجر في سبيله، منذ اللحظة التي يخرج فيها من بيته، قاصداً الهجرة إلى الله خالصة. عالج فيها كل المخاوف التي تهجس في النفس البشرية وهي تقدم على هذه المخاطرة، المحفوفة بالخطر، الكثيرة التكاليف في الوقت ذاته..
فالحديث مطرد عن الجهاد والهجرة إلى دار المجاهدين، وأحكام التعامل بين المسلمين في دار الهجرة وبقية الطوائف خارج هذه الدار - بما في ذلك المسلمون الذين لم يهاجروا - والحديث موصول.
كذلك يلم هذا الدرس بكيفية الصلاة عند الخوف - في ميدان القتال أو في أثناء طريق الهجرة - وتدل هذه العناية بالصلاة في هذه الآونة الحرجة، على طبيعة نظرة الإسلام إلى الصلاة - كما أسلفنا - كما يهيىء لإيجاد حالة تعبئة نفسية كاملة ؛ في مواجهة الخطر الحقيقي المحدق بالجماعة المسلمة ؛ من أعدائها الذين يتربصون بها لحظة غفلة أو غرة!
وينتهي الدرس بلمسة قوية عميقة التأثير ؛ في التشجيع على الجهاد في سبيل الله ؛ في وجه الآلام والمتاعب التي تصيب المجاهدين. وذلك في تصوير ناصع لحال المؤمنين المجاهدين، وحال أعدائهم المحاربين ؛ على مفرق الطريق :
﴿ ولا تهنوا في ابتغاء القوم.. إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون.. ﴾
وبهذا التصوير يفترق طريقان ؛ ويبرز منهجان ؛ ويصغر كل ألم، وتهون كل مشقة. ولا يبقى مجال للشعور بالضنى وبالكلال.
. فالآخرون كذلك يألمون. ولكنهم يرجون من الله ما لا يرجون!


الصفحة التالية
Icon