وقال الأعمش عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، " عن عبدالله بن مسعود قال : قال رسول الله - ﷺ - :" من رمى بسهم فله أجره درجة " فقال رجل : يا رسول الله، وما الدرجة؟ فقال : أما إنها ليست بعتبة أمك. ما بين الدرجتين مائة عام ".
وهذه المسافات التي يمثل بها رسول الله ﷺ، نحسب أننا اليوم أقدر على تصورها ؛ بعد الذي عرفناه من بعض أبعاد الكون. حتى إن الضوء ليصل من نجم إلى كوكب في مئات السنين الضوئية! وقد كان الذين يسمعون رسول الله - ﷺ - يصدقونه بما يقول. ولكنا - كما قلت - ربما كنا أقدر - فوق الإيمان - على تصور هذه الأبعاد بما عرفناه من بعض أبعاد الكون العجيب!
ثم يعود السياق بعد تقرير هذا الفارق في المستوى بين القاعدين من المؤمنين - غير أولي الضرر - والمجاهدين بأموالهم وأنفسهم، فيقرر أن الله وعد جميعهم الحسنى :
﴿ وكلاًّ وعد الله الحسنى ﴾.
فللإيمان وزنه وقيمته على كل حال ؛ مع تفاضل أهله في الدرجات وفق تفاضلهم في النهوض بتكاليف الإيمان ؛ فيما يتعلق بالجهاد بالأموال والأنفس.. وهذا الاستدراك هو الذي نفهم منه أن هؤلاء القاعدين ليسوا هم المنافقين المبطئين. إنما هم طائفة أخرى صالحة في الصف المسلم ومخلصة ؛ ولكنها قصرت في هذا الجانب ؛ والقرآن يستحثها لتلافي التقصير ؛ والخير مرجو فيها، والأمل قائم في أن تستجيب.
فإذا انتهى من هذا الاستدراك عاد لتقرير القاعدة الأولى ؛ مؤكداً لها، متوسعاً في عرضها ؛ ممعناً في الترغيب فيما وراءها من أجر عظيم :
﴿ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً. درجات منه ومغفرة ورحمة. وكان الله غفوراً رحيماً ﴾.
وهذا التوكيد.. وهذه الوعود.. وهذا التمجيد للمجاهدين.. والتفضيل على القاعدين.. والتلويح بكل ما تهفو له نفس المؤمن من درجات الأجر العظيم.. ومن مغفرة الله ورحمته للذنوب والتقصير..
هذا كله يشي بحقيقتين هامتين :


الصفحة التالية
Icon