لو كان الجهاد ملابسة طارئة في حياة الأمة المسلمة ما استغرق كل هذه الفصول من صلب كتاب الله ؛ في مثل هذا الأسلوب! ولما استغرق كذلك كل هذه الفصول من سنة رسول الله - ﷺ - وفي مثل هذا الأسلوب..
لو كان الجهاد ملابسة طارئة ما قال رسول الله - ﷺ - تلك الكلمة الشاملة لكل مسلم إلى قيام الساعة :" من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق ".
ولئن كان - ﷺ - رد في حالات فردية بعض المجاهدين، لظروف عائلية لهم خاصة، كالذي جاء في الصحيح " أن رجلاً قال للنبي - ﷺ - أجاهد. قال :" لك أبوان؟ " قال : نعم. قال : ففيهما جاهد ". لئن كان ذلك فإنما هي حالة فردية لا تنقض القاعدة العامة ؛ وفرد واحد لا ينقص المجاهدين الكثيرين. ولعله - ﷺ - على عادته في معرفة كل ظروف جنوده فرداً فرداً، كان يعلم من حال هذا الرجل وأبويه، ما جعله يوجهه هذا التوجيه..
فلا يقولن أحد - بسبب ذلك - إنما كان الجهاد ملابسة طارئة بسبب ظروف. وقد تغيرت هذه الظروف!
وليس ذلك لأن الإسلام يجب أن يشهر سيفه ويمشي به في الطريق يقطع به الروؤس! ولكن لأن واقع حياة الناس وطبيعة طريق الدعوة تلزمه أن يمسك بهذا السيف ويأخذ حذره في كل حين!
إن الله - سبحانه - يعلم أن هذا أمر تكرهه الملوك! ويعلم أن لا بد لأصحاب السلطان أن يقاوموه. لأنه طريق غير طريقهم، ومنهج غير منهجهم. ليس بالأمس فقط. ولكن اليوم وغداً. وفي كل أرض، وفي كل جيل!
وإن الله - سبحانه - يعلم أن الشر متبجح، ولا يمكن أن يكون منصفاً. ولا يمكن أن يدع الخير ينمو - مهما يسلك هذا الخير من طرق سلمية موادعة! - فإن مجرد نمو الخير يحمل الخطورة على الشر. ومجرد وجود الحق يحمل الخطر على الباطل. ولا بد أن يجنح الشر إلى العدوان ؛ ولا بد أن يدافع الباطل عن نفسه بمحاولة قتل الحق وخنقه بالقوة!