ويمضي هذا الحكم إلى آخر الزمان ؛ متجاوزاً تلك الحالة الخاصة التي كان يواجهها النص في تاريخ معين ؛ وفي بيئة معينة.. يمضي حكماً عاماً ؛ يلحق كل مسلم تناله الفتنة في دينه في أية أرض ؛ وتمسكه أمواله ومصالحه، أو قراباته وصداقاته ؛ أو إشفاقه من آلام الهجرة ومتاعبها. متى كان هناك - في الأرض في أي مكان - دار للإسلام ؛ يأمن فيها على دينه، ويجهر فيها بعقيدته، ويؤدي فيها عباداته ؛ ويحيا حياة إسلامية في ظل شريعة الله، ويستمتع بهذا المستوى الرفيع من الحياة..
أما السياق القرآني فيمضي في معالجة النفوس البشرية ؛ التي تواجه مشاق الهجرة ومتاعبها ومخاوفها ؛ وتشفق من التعرض لها. وقد عالجها في الآيات السابقة بذلك المشهد المثير للاشمئزاز والخوف معاً. فهو يعالجها بعد ذلك ببث عوامل الطمأنينة - سواء وصل المهاجر إلى وجهته أو مات في طريقه - في حالة الهجرة في سبيل الله ؛ وبضمان الله للمهاجر منذ أن يخرج من بيته مهاجراً في سبيله. ووعده بالسعة والمتنفس في الأرض والمنطلق، فلا تضيق به الشعاب والفجاج :
﴿ ومن يهاجر - في سبيل الله - يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة. ومن يخرج من بيته مهاجراً إلى الله ورسوله - ثم يدركه الموت - فقد وقع أجره على الله. وكان الله غفوراً رحيماً ﴾..
إن المنهج الرباني القرآني يعالج في هذه الآية مخاوف النفس المتنوعة ؛ وهي تواجه مخاطر الهجرة ؛ في مثل تلك الظروف التي كانت قائمة ؛ والتي قد تتكرر بذاتها أو بما يشابهها من المخاوف في كل حين.
وهو يعالج هذه النفس في وضوح وفصاحة ؛ فلا يكتم عنها شيئاً من المخاوف ؛ ولا يداري عنها شيئاً من الأخطار - بما في ذلك خطر الموت - ولكنه يسكب فيها الطمأنينة بحقائق أخرى وبضمانة الله سبحانه وتعالى.