جَدِيرًا بِذَلِكَ يَا عُمَرُ } وَجَاءَ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَذَكَرُوا مِثْلَ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. فَهَذَا فِيهِ أَنَّ نَفْسَهُ الْخَاطِئَةَ سَوَّلَتْ لَهُ ذَلِكَ وَدَعَتْهُ إلَيْهِ وَأَنَّهُ أَخَذَ يَلُومُهَا بَعْدَ الْفِعْلِ فَالنَّفْسُ هُنَا هِيَ الْخَائِنَةُ الظَّالِمَةُ وَالْإِنْسَانُ تَدْعُوهُ نَفْسُهُ فِي السِّرِّ إذَا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ إلَى أَفْعَالِ لَا تَدْعُو إلَيْهَا عَلَانِيَةٌ وَعَقْلُهُ يَنْهَاهُ عَنْ تِلْكَ الْأَفْعَالِ وَنَفْسُهُ تَغْلِبُهُ عَلَيْهَا. وَلَفْظُ الْخِيَانَةِ حَيْثُ اُسْتُعْمِلَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِيمَا خَفِيَ عَنْ الْمَخُونِ كَاَلَّذِي يَخُونُ أَمَانَتَهُ فَيَخُونُ مَنْ ائْتَمَنَهُ إذَا كَانَ لَا يُشَاهِدُهُ وَلَوْ شَاهَدَهُ لَمَا خَانَهُ. قَالَ تَعَالَى :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ وَقَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ :﴿ ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى :﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾. وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَامَ :﴿ أَمَا فِيكُمْ رَجُلٌ يَقُومُ إلَى هَذَا فَيَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : هَلَّا أَوْمَضْت إلَيَّ ؟ فَقَالَ : مَا يَنْبَغِي لِنَبِيِّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ ﴾ قَالَ تَعَالَى :﴿ وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ﴾