وعد غير واحد الإصلاح من الصدقة، وأيد بما أخرجه البيهقي عن أبي أيوب " أن النبي ﷺ قال له : يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة يرضى الله تعالى ورسوله موضعها ؟ قال : بلى قال : تصلح بين الناس إذا تفاسدوا وتقرب بينهم إذا تباعدوا "، وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله ﷺ :" أفضل الصدقة إصلاح ذات البين " وهذا الخبر ظاهر في أن الإصلاح أفضل من الصدقة بالمال.
ومثله ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه عن أبي الدرداء قال :"قال رسول الله ﷺ :" ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا : بلى قال : إصلاح ذات البين " ولا يخفى أن هذا ونحوه مخرّج مخرج الترغيب، وليس المراد ظاهره إذ لا شك أن الصيام المفروض والصلاة المفروضة والصدقة كذلك أفضل من الإصلاح اللهم إلا أن يكون إصلاح يترتب على عدمه شر عظيم وفساد بين الناس كبير.
﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك ﴾ أي المذكور من الصدقة وأخويها، والكلام تذييل للاستثناء، وكان الظاهر ومن يأمر بذلك ليكون مطابقاً للمذيل إلا أنه رتب الوعد على الفعل إثر بيان خيرية الآمر لما أن المقصود الترغيب في الفعل وبيان خيرية الآمر به للدلالة على خيريته بالطريق الأولى، وجوز أن يكون عبر عن الأمر بالفعل إذ هو يكنى به عن جميع الأشياء كما إذا قيل : حلفت على زيد وأكرمته وكذا وكذا فتقول : نعم ما فعلت، ولعل نكتة العدول عن يأمر إلى ﴿ يَفْعَلُ ﴾ حينئذ الإشارة إلى أن التسبب لفعل الغير الصدقة والإصلاح والمعروف بأي وجه كان كاف في ترتب الثواب، ولا يتوقف ذلك على اللفظ، ويجوز جعل ذلك إشارة إلى الأمر فيكون معنى من أمر ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ﴾ الأمر واحداً، وقيل : لا حاجة إلى جعله تذييلاً ليحتاج إلى التأويل تحصيلاً للمطابقة، بل لما ذكر الآمر استطراد ذكر ممتثل أمره كأنه قيل : ومن يمتثل.


الصفحة التالية
Icon