الوجه الثاني : أن يكون المراد : وعلمك ما لم تكن تعلم من أخبار الأولين، فكذلك يعلمك من حيل المنافقين ووجوه كيدهم ما تقدر به على الاحتراز عن وجوه كيدهم ومكرهم، ثم قال ﴿وَكَانَ فَضْلُ الله عَلَيْكَ عَظِيماً﴾ وهذا من أعظم الدلائل على أن العلم أشرف الفضائل والمناقب وذلك لأن الله تعالى ما أعطى الخلق من العلم إلا القليل، كما قال ﴿وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [ الإسراء : ٨٥ ] ونصيب الشخص الواحد من علوم جميع الخلق يكون قليلاً، ثم إنه سمى ذلك القليل عظيماً حيث قال ﴿وَمَا أُوتِيتُم مّن العلم إِلاَّ قَلِيلاً﴾ وسمى جميع الدنيا قليلاً حيث قال ﴿قُلْ متاع الدنيا قَلِيلٌ﴾ [ النساء : ٧٧ ] وذلك يدل على غاية شرف العلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٣٢﴾
وقال الطبرى :
وقوله :"وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة"، يقول : ومن فضل الله عليك، يا محمد، مع سائر ما تفضَّل به عليك من نعمه، أنه أنزل عليك"الكتاب"، وهو القرآن الذي فيه بيان كل شيء وهدًى وموعظة"والحكمة"، يعني : وأنزل عليك مع الكتاب الحكمة، وهي ما كان في الكتاب مجملا ذكره، من حلاله وحرامه، وأمره ونهيه، وأحكامه، ووعده ووعيده
"وعلمك ما لم تكن تعلم" من خبر الأولين والآخرين، وما كان وما هو كائن، فكل ذلك من فضل الله عليك، يا محمد، مُذْ خلقك، فاشكره على ما أولاك من إحسانه إليك، بالتمسك بطاعته، والمسارعة إلى رضاه ومحبته، ولزوم العمل بما أنزل إليك في كتابه وحكمته، ومخالفة من حاول إضلالك عن طريقه ومنهاج دينه، فإن الله هو الذي يتولاك بفضله، ويكفيك غائلة من أرادك بسوء وحاول صدّك عن سبيله، كما كفاك أمر الطائفة التي همت أن تضلك عن سبيله في أمر هذا الخائن. ولا أحد دونه ينقذك من سوء إن أراد بك، إن أنت خالفته في شيء من أمره ونهيه، واتبعت هوى من حاول صدَّك عن سبيله.