ونقل الإمام عنه أنه سئل عن آية من كتاب الله تعالى تدل على أن الإجماع حجة فقرأ القرآن ثلثمائة مرة حتى وجد هذه الآية.
واعترض ذلك الراغب بأن سبيل المؤمنين الإيمان كما إذا قيل : اسلك سبيل الصائمين والمصلين أي في الصوم والصلاة، فلا دلالة في الآية على حجية الإجماع، ووجوب اتباع المؤمنين في غير الإيمان، ورده في "الكشف" بأنه تخصيص بما يأباه الشرط الأول، ثم إنه إذا كان مألوف الصائمين الاعتكاف مثلاً تناول الأمر باتباعهم ذلك أيضاً فكذلك يتناول ما هو مقتضى الإيمان فيما نحن فيه، فسبيل المؤمنين هنا عام على ما أشرنا إليه.
واعترض بأن المعطوف عليه مقيد بتبين الهدى فيلزم في المعطوف ذلك فإذا لم يكن في الإجماع فائدة لأن الهدى عام لجميع الهداية، ومنها دليلا الإجماع وإذا حصل الدليل لم يكن للمدلول فائدة، وأجيب بمنع لزوم القيد في المعطوف، وعلى تقدير التسليم فالمراد بالهداية الدليل على التوحيد والنبوة، فتفيد الآية أن مخالفة المؤمنين بعد دليل التوحيد والنبوة حرام، فيكون الإجماع مفيداً في الفروع بعد تبين الأصول، وأوضح القاضي وجه الاستدلال بها على حجية الإجماع وحرمة مخالفته بأنه تعالى رتب فيها الوعيد الشديد على المشاقة واتباع غير سبيل المؤمنين، وذلك إما لحرمة كل واحد منهما أو أحدهما أو الجمع بينهما، والثاني باطل إذ يقبح أن يقال : من شرب الخمر وأكل الخبز استوجب الحدّ، وكذا الثالث لأن المشاقة محرمة ضم إليها غيرها أو لم يضم، وإذا كان اتباع غير سبيلهم محرماً كان اتباع سبيلهم واجباً لأن ترك اتباع سبيلهم ممن عرف سبيلهم اتباع غير سبيلهم.
فإن قيل : لا نسلم أن ترك اتباع سبيل المؤمنين يصدق عليه أنه اتباع لغير سبيل المؤمنين لأنه لا يمتنع أن لا يتبع سبيل المؤمنين ولا غير سبيل المؤمنين.


الصفحة التالية
Icon