والبعيد أريد به القويّ في نوعه الذي لا يرجى لصاحبه اهتداء، فاستعير له البعيد لأنّ البعيد يُقصي الكائن فيه عن الرجوع إلى حيث صدر. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٥٥ ـ ٢٥٦﴾

فصل


قال الفخر :
اعلم أن هذه الآية مكررة في هذه السورة، وفي تكرارها فائدتان :
الأولى : أن عمومات الوعيد وعمومات الوعد متعارضة في القرآن، وأنه تعلى ما أعاد آية من آيات الوعيد بلفظ واحد مرتين، وقد أعاد ههذه الآية دالة على العفو والمغفرة بلفظ واحد في سورة واحدة، وقد اتفقوا على أنه لا فائدة في التكرير إلا التأكيد، فهذا يدل على أنه تعالى خص جانب الوعد والرحمة بمزيد التأكيد، وذلك يقتضي ترجيح الوعد على الوعيد.
والفائدة الثانية : أن الآيات المتقدمة إنما نزلت في سارق الدرع، وقوله ﴿وَمَن يُشَاقِقِ الرسول﴾ [ النساء : ١١٥ ] إلى آخر الآيات إنما نزلت في ارتداده، فهذه الآية إنما يحسن اتصالها بما قبلها لو كان المراد أن ذلك السارق لو لم يرتد لم يصر محروماً عن رحمتي، ولكنه لما ارتد وأشرك بالله صار محروماً قطع عن رحمة الله، ثم إنه أكد ذلك بأن شرح أن أمر الشرك عظيم عند الله فقال ﴿وَمَن يُشْرِكْ بالله فَقَدْ ضَلَّ ضلالا بَعِيداً﴾ يعني ومن لم يشرك بالله لم يكن ضلاله بعيداً، فلا جرم لا يصير محروماً عن رحمتي، وهذه المناسبات دالة قطعاً على دلالة هذه الآية على أن ما سوى الشرك مغفور قطعاً سواء حصلت التوبة أو لم تحصل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٣٦ ـ ٣٧﴾


الصفحة التالية
Icon