﴿ وَمَن يُشْرِكْ بالله ﴾ شيئاً من الشرك، أو أحداً من الخلق، وفي معنى الشرك به تعالى نفي الصانع، ولا يبعد أن يكون من أفراده ﴿ فَقَدْ ضَلَّ ضلالا بَعِيداً ﴾ عن الحق، أو عن الوقوع ممن له أدنى عقل، وإنما جعل الجزاء على ما قيل هنا ﴿ فَقَدْ ضَلَّ ﴾ الخ، وفيما تقدم ﴿ فَقَدِ افترى إِثْماً عَظِيماً ﴾ [ النساء : ٤٨ ] لما أن تلك كانت في أهل الكتاب وهم مطلعون من كتبهم على ما لا يشكون في صحته من أمر الرسول ﷺ ووجوب اتباع شريعته وما يدعو إليه من الإيمان بالله تعالى ومع ذلك أشركوا وكفروا فصار ذلك افتراءاً واختلافاً وجراءة عظيمة على الله تعالى، وهذه الآية كانت في أناس لم يعلموا كتاباً ولا عرفوا من قبل وحياً ولم يأتهم سوى رسول الله ﷺ بالهدى ودين الحق فأشركوا بالله عز وجل وكفروا وضلوا مع وضوح الحجة وسطوع البرهان فكان ضلالهم بعيداً، ولذلك جاء بعد تلك ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ ﴾ [ النساء : ٤٩ ] وقوله سبحانه :﴿ انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الكَذِبَ ﴾ [ النساء : ٥٠ ] وجاء بعد هذه قوله تعالى :﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إناثا ﴾. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ١٤٧ ـ ١٤٨﴾
فائدة
قال القرطبى :
وفي قوله تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ ﴾ ردّ على الخوارج ؛ حيث زعموا أن مرتكب الكبيرة كافر.
وقد تقدّم القول في هذا المعنى.
وروى الترمذِيّ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : ما في القرآن آية أحبّ إليّ من هذه الآية :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلك لِمَن يَشَآءُ ﴾ ( قال ) : هذا حديث غريب.
قال ابن فُورَك : وأجمع أصحابنا على أنه لا تخليد إلا للكافر، وأن الفاسق من أهل القبلة إذا مات غير تائب فإنه إن عُذب بالنار فلا مَحالة أنه يخرج منها بشفاعة الرسول ؛ أو بابتداء رحمةٍ من الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon