وقال ابن عاشور :
لم تَخْلُ الحوادث التي أشارت إليها الآي السابقة، ولا الأحوال التي حذّرت منها، من تناج وتحاوُر، سِرّا وجهراً، لتدبير الخيانات وإخفائها وتبييتها، لذلك كان المقام حقيقاً بتعقيب جميع ذلك بذكر النجوى وما تشتمل عليه، لأنّ في ذلك تعليماً وتربية وتشريعاً، إذ النجوى من أشهر الأحوال العارضة للناس في مجتمعاتهم، لا سيما في وقت ظهور المسلمين بالمدينة، فقد كان فيها المنافقون واليهود وضعفاء المؤمنين، وكان التناجي فاشياً لمقاصد مختلفة، فربما كان يثير في نفوس الرائين لتلك المناجاة شكّا، أي خوفاً، إذ كان المؤمنون في حال مناواة من المشركين وأهللِ الكتاب، فلذلك تكرّر النهي عن النجوى في القرآن نحو ﴿ ألَمْ تَرَ إلى الذين نُهوا عن النجوى ﴾ [ المجادلة : ٨ ] الآيات، وقوله :﴿ إذ يستمعون إليك وإذ هم نجوى ﴾ [ الإسراء : ٤٧ ] وقوله :﴿ وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنّا معكم ﴾ [ البقرة : ١٤ ]، فلذلك ذمّ الله النجوى هنا أيضاً، فقال :﴿ لا خير في كثير من نجواهم ﴾.
فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً لإفادة حكم النجوى، والمناسبةُ قد تبيّنت. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٥٢﴾

فصل


قال الفخر :
قال الواحدي رحمه الله :
النجوى في اللغة سر بين اثنين، يقال ناجيت الرجل مناجاة ونجاء، ويقال : نجوت الرجل أنجو نجوى بمعنى ناجيته، والنجوى قد تكون مصدراً بمنزلة المناجاة، قال تعالى ﴿مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [ المجادلة : ٧ ] وقد تكون بمعنى القوم الذين يتناجون، قال تعالى ﴿وَإِذْ هُمْ نجوى﴾ [ الإسراء : ٤٧ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٣٣﴾


الصفحة التالية
Icon