المعنى أن هذه الأقسام الثلاثة من الطاعات وإن كانت في غاية الشرف والجلالة إلا أن الإنسان إنما ينتفع بها إذا أتى بها لوجه الله ولطلب مرضاته، فأما إذا أتى بها للرياء والسمعة انقلبت القضية فصارت من أعظم المفاسد، وهذه الآية من أقوى الدلائل على أن المطلوب من الأعمال الظاهرة رعاية أحوال القلب في إخلاص النيّة، وتصفية الداعية عن الالتفات إلى غرض سوى طلب رضوان الله تعالى ونظيره قوله تعالى :﴿وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين﴾ [ البينه : ٥ ] وقوله ﴿وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى﴾ [ النجم : ٣٩ ] وقوله عليه الصلاة والسلام :" إنما الأعمال بالنيات " وهاهنا سؤالان :
السؤال الأول : لم انتصب ﴿ابتغاء مرضات الله﴾ ؟
والجواب : لأنه مفعول له، والمعنى لأنه لابتغاء مرضاة الله.
السؤال الثاني : كيف قال ﴿إِلاَّ مَنْ أَمَرَ﴾ ثم قال ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك ﴾.
والجواب : أنه ذكر الأمر بالخير ليدل به على فاعله لأن الأمر بالخير لما دخل في زمرة الخيرين فبأن يدخل فاعل الخير فيهم كان ذلك أولى، ويجوز أن يراد : ومن يأمر بذلك، فعبر عن الأمر بالفعل لأن الأمر أيضاً فعل من الأفعال. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٣٤﴾
وقال أبو حيان :
﴿ ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجراً عظيماً ﴾ لما ذكر أن الخير في مَن أمر ذكر ثواب من فعل، ويجوز أن يريد : ومن يأمر بذلك، فيعبر بالفعل عن الأمر، كما يعبر به عن سائر الأفعال.
وقرأ أبو عمرو وحمزة : يؤتيه بالياء، والباقون بالنون على سبيل الالتفات، ليناسب ما بعده من قوله :﴿ نوله ما تولى ونصله ﴾ فيكون إسناد الثواب والعقاب إلى ضمير المتكلم العظيم، وهو أبلغ من إسناده إلى ضمير الغائب.


الصفحة التالية
Icon