قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمه الله : وهذا لا ينحصر إلى نوع واحد من الأمنية، لأن كل واحد في نفسه إنما تمنيه بقدر نصبته وقرائن حاله، ومنه قوله عليه السلام :" إن الشيطان يقول لمن يركب ولا يذكر الله : تغن، فإن لم يحسن قاله له تمن "، واللامات كلها للقسم، " والبتك " : القطع، وكثر الفعل إذ القطع كثير على أنحاء مختلفة، وإنما كنى عز وجل عن البحيرة والسائبة ونحوه مما كانوا يثبتون فيه حكماً، بسبب آلهتهم وبغير ذلك، وقرأ أبو عمرو بن العلاء ﴿ ولآمرنهم ﴾ بغير ألف، وقرأ أبيّ " وأضلهم وأمنيهم وأمرهم " واختلف في معنى " تغيير خلق الله "، فقال ابن عباس وإبراهيم ومجاهد والحسن وقتادة وغيرهم : أراد : يغييرون دين الله وذهبوا في ذلك إلى الاحتجاج بقوله تعالى :﴿ فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ﴾ [ الروم : ٣٠ ] أي لدين الله، والتبديل يقع موضعه التغيير، وإن كان التغيير أعم منه، وقالت فرقة :" تغيير خلق الله " هو أن الله تعالى خلق الشمس والنار والحجارة وغيرها من المخلوقات ليعتبر بها وينتفع بها، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة، وقال ابن عباس أيضاً وأنس وعكرمة وأبو صالح : من تغيير خلق الله الإخصاء، والآية إشارة إلى إخصاء البهائم وما شاكله، فهي عندهم أشياء ممنوعة، ورخص في إحصار البهائم جماعة إذا قصدت به المنفعة، إما السمن أو غيره، ورخصها عمر بن عبد العزيز في الخيل، وقال ابن مسعود والحسن : هي إشارة إلى الوشم وما جرى مجراه من التصنع للحسن، فمن ذلك الحديث :" لعن رسول الله ﷺ الواشمات والموشمات والمتنمصات والمتفلجات المغيرات خلق الله " ومنه قوله عليه السلام، " لعن الله الواصلة والمستوصلة " وملاك تفسير هذه الآية : أن كل تغيير ضار فهو في الآية، وكل تغيير نافع فهو مباح، ولما ذكر الله تعالى عتو الشيطان وما توعد به من بث مكره، حذره تبارك