وكأنه لما قال إبليس : لأتخذن من عبادك نصيباً، فذكر أنه يصطفيهم لنفسه، أخبر أنهم قبلوا ذلك الاتخاذ وانفعلوا له، فاتخذوه ولياً من دون الله.
والوليّ هنا قال مقاتل : بمعنى الرب.
وقال أبو سليمان الدمشقي : من الموالاة، ورتب على هذا الاتخاذ الخسران المبين، لأن من ترك حظه من الله لحظ الشيطان فقد خسرت صفقته.
وقوله : من دون الله، قيد لازم.
لأنه لا يمكن أن يتخذ الشيطان ولياً إلا إذا لم يتخذ الله ولياً، ولا يمكن أن يتخذ الشيطان ولياً ويتخذ الله ولياً، لأنهما طريقان متباينان، لا يجتمعان هدى وضلالة.
وهذه الجملة الشرطية محذرة من اتباع الشيطان. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ٣٧٠﴾
وقال ابن عاشور :
وجملة ﴿ ومن يتُخذ الشيطان وليّاً من دون الله فقد خسر خسراناً مبيناً ﴾ تذييل دالّ على أنّ ما دعاهم إليه الشيطان : من تبتيك آذان الأنعام، وتغيير خلق الله، إنّما دعاهم إليه لما يقتضيه من الدلالة على استشعارهم بشعاره، والتديّن بدعوته، وإلاّ فإنّ الشيطان لا ينفعه أن يبتّك أحد أذن ناقته، أو أن يغيّر شيئاً من خلقته، إلاّ إذا كان ذلك للتأثّر بدعوته. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٥٩﴾
فائدة
قال الشيخ الشنقيطى
قوله تعالى :﴿ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً ﴾.
بين هنا فيما ذكر عن الشيطان كيفية اتخاذه لهذا النصيب المفروض بقوله :﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنعام وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ الله ﴾ [ النساء : ١١٩ ] والمراد بتبتيك آذان الأنعام شق أذن البحيرة مثلاً وقطعها ليكون ذلك سمة وعلامة لظنها بحيرة أو سائبة كما قاله قتادة والسدي وغيرهما، وقد أبطله تعالى بقوله :﴿ مَا جَعَلَ الله مِن بَحِيرَةٍ ﴾ [ المائدة : ١٠٣ ] الآية والمراد ببحرها شق أذنها كما ذكرنا والتبتيك في اللغة التقطيع ومنه قول زهير :


الصفحة التالية
Icon