فصل


قال الفخر :
﴿إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إناثا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شيطانا مَّرِيداً لَّعَنَهُ الله﴾
﴿إن﴾ ههنا معناه النفي ونظيره قوله تعالى :﴿وَإِن مّنْ أَهْلِ الكتاب إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ [ النساء : ١٥٩ ] و﴿يَدْعُونَ﴾ بمعنى يعبدون لأن من عبد شيئاً فإنه يدعوه عند احتياجه إليه،
وقوله ﴿إِلاَّ إناثا﴾ فيه أقوال :
الأول : أن المراد هو الأوثان وكانوا يسمونها باسم الإناث كقولهم : الّلات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، واللات تأنيث الله، والعزى تأنيث العزيز.
قال الحسن : لم يكن حي من أحياء العرب إلا ولهم صنم يعبدونه ويسمونه أنثى بني فلان، ويدل على صحة هذا التأويل قراءة عائشة رضي الله عنها : إلا أوثاناً، وقراءة ابن عباس : إلا أثنا، جمع وثن مثل أسد وأسد، ثم أبدلت من الواو المضمومة همزة نحو قوله ﴿وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ﴾ [ المرسلات : ١١ ] قال الزجاج : وجائز أن يكون أثن أصلها أثن، فأتبعت الضمة الضمة.
القول الثاني : قوله ﴿إِلاَّ إناثا﴾ أي إلا أمواتاً،
وفي تسمية الأموت إناثاً وجهان : الأول : أن الأخبار عن الموات يكون على صيغة الأخبار عن الأنثى، تقول : هذه الأحجار تعجبني : كما تقول : هذه المرأة تعجبني.
الثاني : أن الأنثى أخس من الذكر، والميت أخس من الحي، فلهذه المناسبة أطلقوا اسم الأنثى على الجمادات الموات.
القول الثالث : أن بعضهم كان يعبد الملائكة، وكانوا يقولون : الملائكة بنات الله قال تعالى :﴿إِنَّ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالأخرة لَيُسَمُّونَ الملائكة تَسْمِيَةَ الانثى﴾ [ النجم : ٢٧ ] والمقصود من الآية هل إنسان أجهل ممن أشرك خالق السماوات والأرض وما بينهما جماداً يسميه بالأنثى. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٣٧﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ﴾ أي من دون الله ﴿ إِلاَّ إِنَاثاً ﴾ ؛ نزلت في أهل مكة إذ عبدوا الأصنام.
و﴿ إِنٍ ﴾ نافية بمعنى ﴿ مَآ ﴾.
و﴿ إناثا ﴾ أصناماً، يعني اللاّت والعُزَّى ومَنَاةَ.


الصفحة التالية
Icon