قوله تعالى ﴿وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ﴾

فصل


قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ﴾ ففيه أقوال :
الأول : أنه رفع بالابتداء والتقدير : قل الله يفتيكم في النساء، والمتلو في الكتاب يفتيكم فيهن أيضاً، وذلك المتلو في الكتاب هو قوله ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِى اليتامى﴾ [ النساء : ٣ ].
وحاصل الكلام أنهم كانوا قد سألوا عن أحوال كثيرة من أحوال النساء، فما كان منها غير مبين الحكم ذكر أن الله يفتيهم فيها، وما كان منها مبين الحكم في الآيات المتقدمة ذكر أن تلك الآيات المتلوة تفتيهم فيها.
وجعل دلالة الكتاب على هذا الحكم إفتاء من الكتاب، ألا ترى أنه يقال في المجاز المشهور : إن كتاب الله بيّن لنا هذا الحكم، وكما جاز هذا جاز أيضاً أن يقال : إن كتاب الله أفتى بكذا.
القول الثاني : أن قوله ﴿وَمَا يتلى عَلَيْكُمْ﴾ مبتدأ و ﴿فِى الكتاب﴾ خبره، وهي جملة معترضة، والمراد بالكتاب اللوح المحفوظ، والغرض منه تعظيم حال هذه الآية التي تتلى عليهم وأن العدل والإنصاف في حقوق اليتامى من عظائم الأمور عند الله تعالى التي يجب مراعاتها والمحافظة عليها، والمخل بها ظالم متهاون بما عظمه الله.
ونظيره في تعظيم القرآن قوله ﴿وَإِنَّهُ فِى أُمّ الكتاب لَدَيْنَا لَعَلِىٌّ حَكِيمٌ﴾ [ الزخرف : ٤ ].
القول الثالث : أنه مجرور على القسم، كأنه قيل : قل الله يفتيكم فيهن، وأقسم بما يتلى عليكم في الكتاب، والقسم أيضاً بمعنى التعظيم.


الصفحة التالية
Icon