وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ واتخذ الله إبراهيم خليلاً ﴾ عطف ثناء إبراهيم على مدح من اتّبع دينه زيادة تنويه بدين إبراهيم، فأخبر أنّ الله اتّخذ إبراهيم خليلاً.
والخليل في كلام العرب الصاحب الملازم الذي لا يخفى عنه شيء من أمور صاحبه، مشتقّ من الخِلال، وهو النواحي المتخلّلة للمكان ﴿ فترى الودق يخرج من خلاله ﴾ [ النور : ٤٣ ] ﴿ فجّرنا خلالهما نهرا ﴾ [ الكهف : ٣٣ ].
هذا أظهر الوجوه في اشتقاق الخليل.
ويقال : خِلّ وخُلّ بكسر الخاء وضمّها ومؤنّثهُ : خُلّة بضمّ الخاء، ولا يقال بكسر الخاء، قال كعب :
أكرم بها خُلَّةً لو أنَّها صدقت
وجمعها خلائل.
وتطلق الخلّة بضمّ الخاء على الصحبة الخالصة ﴿ لا بيع فيه ولا خُلّة ولا شفاعة ﴾ [ البقرة : ٢٥٤ ]، وجمعها خِلال ﴿ مِنْ قَبْلِ أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال ﴾ [ إبراهيم : ٣١ ].
ومعنى اتُخاذ الله إبراهيم خليلاً شدّة رِضَى اللَّهِ عنه، إذ قد علم كلّ أحد أنّ الخلّة الحقيقية تستحِيل على الله فأريد لوازمها وهي الرضى، واستجابة الدعوة، وذكره بخير، ونحو ذلك. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٦٣﴾

فصل


قال الخازن :
وقد اتخذ الله محمداً خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً فقد ثبت في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ أنه قال :" لو كنت متخذاً كما اتخذ خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلاً " وعن ابن مسعود عن النبي ﷺ :" لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً " أخرجه مسلم ؛ فقد ثبت بهذين الحديثين الخلة للنبي ﷺ وزاد على إبراهيم عليه السلام بالمحبة ﷺ خليل الله وحبيبه فقد جاء في حديث عن ابن عباس أن النبي ﷺ قال :" ألا وأنا حبيب الله ولا فخر " أخرجه الترمذي بأطول منه. أ هـ ﴿تفسير الخازن حـ ١ صـ ٦٠٤﴾

فصل


قال الفخر :
قال بعض النصارى : لما جاز إطلاق اسم الخليل على إنسان معين على سبيل الاعزاز والتشريف، فلم لا يجوز إطلاق اسم الابن في حق عيسى عليه السلام على سبيل الإعزاز والتشريف.
وجوابه : أن الفرق أن كونه خليلاً عبارة عن المحبة المفرطة، وذلك لا يقتضي الجنسية، أما الابن فإنه مشعر بالجنسية، وجلّ الإله عن مجانسة الممكنات ومشابهة المحدثات. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٤٨﴾


الصفحة التالية
Icon