وأما الآية الثَّانية : فلأنَّه قصد فيها تَقَدُّمَ ذِكْرِ الرَّسُول ؛ تشريفاً له، وتشنيعاً على مَنْ تَجاسَر على مِثْلِ ذلك الفِعْل الفَظِيع، فاسْتَحَال - والحالة هذه - أن يُجَاء به مُتَّصِلاً، و" مِنْ قبلكم " : يَجُوزُ أنْ يتعلَّق بـ " أوتُوا "، ويجُوز أنْ يتعلَّق بـ " وَصَّيْنَا " ؛ والأولُ أظهرُ.
قوله :" أن اتَّقُوا " يجوزُ في " أن " وَجْهَان :
أحدُهُمَا : أن تكون مصدرِيّة على حَذْفِ حَرْفِ الخَفْضِ، تقديرُه : بأن اتَّقوا، فلما حُذِف الحَرْفُ جَرَى فيها الخِلافُ المَشْهُور.
والثاني : أن تكُون المُفَسِّرة ؛ لأنها بَعْد ما هُو بِمَعْنَى القَوْل، لا حروفه وهو الوصيّة، والظاهر أن قوله :" وإن تَكْفُرُوا " جملة مُسْتأنفة ؛ للإخبار بأن هذه الحَالِ ليست داخلة في مَعْمُول الوصِيّة.
وقال الزَّمَخْشَرِي :﴿ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ للَّهِ ﴾ عطفٌ على " اتَّقُوا " لأنَّ المَعْنَى : أمرناهم، وأمَرْنَاكم بالتَّقْوَى، وقُلْنا لهم ولكم :" إِن تَكْفُرُواْ " وفي كلامه نظرٌ، لأنَّ تقديره القَوْلَ، ينفي كون الجُمْلة الشرطية مُنْدرجةً في حَيِّزِ الوصيَّة بالنِّسْبَة إلى الصِّناعة النَّحْوية، وهو لم يقصد تفسير المعنى فقط، بل قصده هو وتفسير الإعراب ؛ بدليل قوله : عطف على " اتَّقُوا "، و" اتَّقُوا " داخلٌ في حيِّز الوصيَّةِ، سواءً أجعلت " أن " مصدريَّةً أم مُفسِّرة.
قوله :﴿ فَإِنَّ للَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي ﴾ في تعلُّقِه وجهان :
الأول : أنه - تعالى - خالقُهُم ومالِكُهُم، والمُنْعِم عليهم بأصْناف النِّعَم كلِّها، فَحَقَّ على كل عَاقلٍ أن يَنْقَاد لأوَامِرِه ونَوَاهِيهِ، ويَرْجُوا ثوابه، ويَخَاف عِقَابَهُ.


الصفحة التالية
Icon