وفي "درّة الغواص في أوهام الخواص" أنهم يقولون : ابتعت عبداً وجارية أخرى فيوهمون فيه لأن العرب لم تصف بلفظي آخر وأخرى وجمعهما إلا ما يجانس المذكور قبله كما قال تعالى :﴿ أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ﴾ [ النجم : ١٩، ٢٠ ] وقوله سبحانه :﴿ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾ [ البقرة : ١٨٥ ] فوصف جل اسمه مناة بالأخرى لما جانست العزى اللات ووصف الأيام بالأخر لكونها من جنس الشهر، والأمة ليست من جنس العبد لكونها مؤنثة وهو مذكر فلم يجز لذلك أن يتصف بلفظ أخرى كما لا يقال : جاءت هند ورجل آخر، والأصل في ذلك أن آخر من قبيل أفعل الذي يصحبه من، ويجانس المذكور بعده كما يدل على ذلك أنك إذا قلت : قال : الفند الزماني، وقال آخر : كان تقدير الكلام، وقال آخر : من الشعراء وإنما حذفت لفظة من لدلالة الكلام عليها، وكثرة استعمال آخر في النطق، وفي "الدر المصون" إن هذا غير متفق عليه، وإنما ذهب إليه كثير من النحاة وأهل اللغة ؛ وارتضاه نجم الأئمة الرضي إلا أنه يردّ على الزمخشري ومن معه أن آخرين صفة موصوف محذوف، والصفة لا تقوم مقام موصوفها إلا إذا كانت خاصة نحو مررت بكاتب، أو إذا دل الدليل على تعيين الموصوف وهنا ليست بخاصة فلا بد أن يكون من جنس الأول لتدل على المحذوف ؛ وقال ابن يسعون والصقلي وجماعة : إن العرب لا تقول : مررت برجلين وآخر لأنه إنما يقابل آخر ما كان من جنسه تثنية وجمعاً وإفراداً، وقال ابن هشام هذا غير صحيح لقول ربيعة بن يكدم :
ولقد ( شفعتهما بآخر ثالث )...
وأبى الفرار إلى الغداة تكرمى
وقال أبو حية النميري :
وكنت أمشي على ثنتين معتدلا...
فصرت أمشيء على ( أخرى ) من الشجر


الصفحة التالية
Icon