فصل
قال الفخر :
﴿من كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدنيا فَعِندَ الله ثَوَابُ الدنيا والآخرة﴾ والمعنى أن هؤلاء الذين يريدون بجهادهم الغنيمة فقط مخطئون، وذلك لأن عند الله ثواب الدنيا والآخرة، فلم اكتفى بطلب ثواب الدنيا مع أنه كان كالعدم بالنسبة إلى ثواب الآخرة، ولو كان عاقلاً لطلب ثواب الآخرة حتى يحصل له ذلك ويحصل له ثواب الدنيا على سبيل التبع.
فإن قيل كيف دخل الفاء في جوب الشرط وعنده تعالى ثواب الدنيا والآخرة سواء حصلت هذه الإرادة أو لم تحصل ؟
قلنا : تقرير الكلام : فعند الله ثواب الدينا والآخرة له إن أراده الله تعالى، وعلى هذا التقدير يتعلق الجزاء بالشرط.
ثم قال :﴿وَكَانَ الله سَمِيعاً بَصِيراً﴾ يعني يسمع كلامهم أنهم لا يطلبون من الجهاد سوى الغنيمة ويرى أنهم لا يسعون في الجهاد ولا يجتهدون فيه إلا عند توقع الفوز بالغنيمة، وهذا كالزجر منه تعالى لهم عن هذه الأعمال. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٥٧﴾
وقال القرطبى :
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ﴾
أي من عمل بما افترضه الله عليه طلباً للآخرة أتاه الله ذلك في الآخرة، ومن عمل طلباً للدنيا أتاه بما كتب له في الدنيا وليس له في الآخرة من ثواب ؛ لأنه عمل لغير الله كما قال تعالى :﴿ وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ ﴾ [ الشورى : ٢٠ ].
وقال تعالى :﴿ أولئك الذين لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرة إِلاَّ النار ﴾ [ هود : ١٦ ].
وهذا على أن يكون المراد بالآية المنافقون والكفار، وهو اختيار الطبري.
وروي أن المشركين كانوا لا يؤمنون بالقيامة، وإنما يتقربون إلى الله تعالى ليوسع عليهم في الدنيا ويرفع عنهم مكروهها ؛ فأنزل الله عز وجل ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدنيا فَعِندَ الله ثَوَابُ الدنيا والآخرة وَكَانَ الله سَمِيعاً بَصِيراً ﴾ أي يسمع ما يقولونه ويبصر ما يسرونه. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٤١٠﴾.