وقد زعم ابن جرير أن المعنى في هذه الآية :﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا ﴾ أي : من المنافقين الذين أظهروا الإيمان لأجل ذلك، ﴿ فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا ﴾ وهو ما حصل لهم من المغانم وغيرها مع المسلمين. وقوله :﴿ وَالآخِرَةِ ﴾ أي : وعند الله ثواب الآخرة، وهو ما ادخره لهم من العقوبة في نار جهنم. وجعلها كقوله :﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا] وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [هود : ١٥، ١٦].
ولا شك أن هذه الآية معناها ظاهر، وأما تفسيره الآية الأولى بهذا ففيه نظر ؛ فإن قوله ﴿ فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ﴾ ظاهر في حضور الخير في الدنيا والآخرة، أي : بيده هذا وهذا، فلا يقْتَصِرَنَّ قاصر الهمة على السعي للدنيا فقط، بل لتكن همته سامية إلى نيل المطالب العالية في الدنيا والآخرة، فإن مرجع ذلك كله إلى الذي بيده الضر والنفع، وهو الله الذي لا إله إلا هو، الذي قد قسم السعادة والشقاوة في الدنيا والآخرة بين الناس، وعدل بينهم فيما علمه فيهم، ممن يستحق هذا، وممن يستحق هذا ؛ ولهذا قال :﴿ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾. أ هـ ﴿تفسير ابن كثير حـ ٢ صـ ٤٣٢﴾