وممن تردّ شهادته عند مالك البدوِيّ على القَرَوِيّ ؛ قال : إلاَّ أن يكون في بادية أو قرية، فأما الذي يُشهد في الحضر بدَوِيّاً ويدع جِيرتَه من أهل الحضر عندي مُريب.
وقد روى أبو داود والدارقطنيّ عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله ﷺ يقول :" لا تجوز شهادة بدوِيّ على صاحب قرية " قال ( محمد ) بن ( عبد ) الحكم : تأوّل مالك هذا الحديث على أن المراد به الشهادة في الحقوق والأموال، ولا ترد الشهادة في الدماء وما في معناها مما يطلب به الخلق.
وقال عامة أهل العلم : شهادة البَدَوِي إذا كان عدلاً يقيم الشهادة على وجهها جائزة ؛ والله أعلم.
وقد مضى القول في هذا في "البقرة"، ويأتي في "براءة" تمامها إن شاء الله تعالى. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٤١٠ ـ ٤١٢﴾. بتصرف يسير.
فصل
قال ابن عاشور :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ﴾
انتقال من الأمر بالعدل في أحوال معيّنة من معاملات اليتامى والنساء إلى الأمر بالعدل الذي يعمّ الأحوال كلّها، وما يقارنه من الشهادة الصادقة، فإنّ العدل في الحكم وأداء الشهادة بالحقّ هو قوام صلاح المجتمع الإسلامي، والانحراف عن ذلك ولو قيد أنملة يَجرّ إلى فساد متسلسل.
وصيغة ﴿ قوّامين ﴾ دالّة على الكثرة المراد لازمها، وهو عدم الإخلال بهذا القيام في حال من الأحوال.
والقِسط العدل، وقد تقدّم عند قوله تعالى :﴿ قائماً بالقسط ﴾ في سورة آل عمران ( ١٨ ).
وعدل عن لفظ العدل إلى كلمة القسط لأنّ القسط كلمة معرّبَة أدخلت في كلام العرب لدلالتها في اللغة المنقولة منها على العدل في الحُكم، وأمّا لفظ العدل فأعمّ من ذلك، ويدلّ لذلك تعقيبه بقوله :﴿ شُهداء لله ﴾ فإنّ الشهادة من علائق القضاء والحكممِ.