فصل فى ذكر استدلال من استدل من هذه الآية على تكليف ما لا يطاق
قال الثعلبى :
قالوا : قال الله عز وجل ﴿وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَآءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فلا تميلوا كُلَّ الْمَيْلِ﴾ فأمرهم الله عز وجل أن يعدلوا، وأخبر أنهم لا يستطيعون أن يعدلوا فقد أمرهم بما لا يستطيعون وكلفهم ما لا يطيقون.
إن قال قائل : هل كلف الله الكفار ما لا يطيقون ؟
قيل له : إن أردت أنه كلفهم ما لا يطيقون لعجز حائل وآفة مانعة، فلا، لأنه قد صحح أبدانهم وأكمل نطقهم وأوجدهم (في الأرض) ودفع عنهم العلل والآفات، وإن أردت أنه كلّفهم ما لا يقدرون عليه بتركهم له واشتغالهم بضدّه، فقد كلفهم ذلك.
فإن قالوا : أفيقدر الكافر لا يتشاغل للكفر ؟
قيل لهم : إن معنى لا يتشاغل بالكفر هو أن تؤمن فكأنكم قلتم : يقدر أن يؤمن وهو مقيم على كفره فقد قلنا إنه مادام مشغولاً بكفر ليس بقادر على الإيمان على ما جوزت اللغة من أن الإنسان قادر على الفعل بمعنى أنه إن لم يفرط فأثر فيه كما قالوا فلان يقدر على رجل يعني يقدر عليه لو رامه وقصد إلى حمله، نظير قولهم : فلان يفهم أي إنه يفهم الشيء، إذا أُورد عليه، وكذلك يقولون : الطعام مشبع، والماء مروي، ويعني في ذلك أن الطعام يشبع إذا أُكل. والماء يروي إذا شرب.
والذي يوضح ذلك ما يتداوله الناس بينهم من قول الرجل : قم معي في حال كذا، والجواب : لا أقدر على المجيء معك لما أنا فيه من الشغل، وقد قال الله تعالى ﴿مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ يعني القبول لاستثقالهم إيّاه، ومن المشتبه من (قال :) وهل يقدر الكافر على الإيمان ؟
يقول : إن أرادهُ كان قادراً عليه، فإذا قال له : فيقدر أن يريده ؟
قال : إن كره الكفر، وإذا قيل له : هل يقدر على الكفر ؟
قال : يقدر على ذلك إن أراد الإيمان، فكلّما كرّر عليه السؤال كرّر هذا الجواب. أ هـ ﴿الكشف والبيان حـ ٣ صـ ٣٩٧ ـ ٣٩٨﴾