نَعَمْ إِنَّ فِي الْآيَةِ مَوْعِظَةً وَعِبْرَةً لِمَنْ يَتَأَمَّلُهَا مِنْ غَيْرِ أُولَئِكَ الْوَرِعِينَ الْحَرِيصِينَ عَلَى إِقَامَةِ حُدُودِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ بِقَدْرِ الطَّاقَةِ، لِمَنْ يَتَأَمَّلُهَا وَيَعْتَبِرُ بِهَا مِنْ عُبَّادِ الشَّهَوَاتِ وَالْأَهْوَاءِ الَّذِينَ لَا يَقْصِدُونَ مِنَ الزَّوْجِيَّةِ إِلَّا تَمْتِيعَ النَّفْسِ بِاللَّذَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ الْمُؤَقَّتَةِ مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةِ أَرْكَانِ الْحَيَاةِ الزَّوْجِيَّةِ الَّتِي بَيَّنَهَا اللهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً (٣٠ : ٢١)، وَلَا مُرَاعَاةِ أَمْرِ النَّسْلِ وَصَلَاحِ الذُّرِّيَّةِ، أُولَئِكَ السُّفَهَاءُ الَّذِينَ يُكْثِرُونَ مِنَ الزَّوَاجِ مَا اسْتَطَاعُوا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلًا، يَتَزَوَّجُونَ الثَّانِيَةَ لِمَحْضِ الْمَلَلِ مِنَ الْأُولَى وَحُبِّ التَّنَقُّلِ، ثُمَّ الثَّالِثَةَ وَالرَّابِعَةَ لِأَجْلِ ذَلِكَ، لَا يَخْطُرُ فِي بَالِ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ أَمْرُ الْعَدْلِ، وَلَا أَنَّهُ يَجِبُ لِإِحْدَاهُنَّ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَقَدْ يَنْوِي مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَنْ يَظْلِمَ الْأُولَى وَيَهْضِمَ حَقَّهَا، وَلَا يَشْعُرُ بِأَنَّهُ ارْتَكَبَ فِي ذَلِكَ إِثْمًا، وَلَا أَغْضَبَ اللهَ وَاسْتَهَانَ بِأَحْكَامِهِ، وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ وَأُولَئِكَ قَوْمٌ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الدِّينِ وَمُرَاعَاةِ أَحْكَامِهِ، يَظُنُّونَ أَنَّ الْعَدْلَ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ أَمْرٌ سَهْلٌ فَيُقْدِمُونَ عَلَى التَّزَوُّجِ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَكَّرُوا


الصفحة التالية
Icon