ولما كان الحكم في الدارين بين أنه في الدار التي لا يظهر فيها لأحد غيره أمر ظاهراً ولا باطناً، وتظهر فيها جميع المخبئات فقال :﴿يوم القيامة﴾ ولما كان هذا ربما أيأسهم من الدنيا قال :﴿ولن يجعل الله﴾ عبر بأداة التأكيد وبالاسم الأعظم لاستبعاد الغلبة على الكفرة لما لهم في ذلك الزمان من القوة والكثرة ﴿للكافرين﴾ أي سواء كانوا مساترين أو مجاهرين ﴿على المؤمنين﴾ أي كلهم ﴿سبيلاً﴾ أي بوجه في دنيا ولا آخرة، وهذا تسفيه لآرائهم واستخفاف بعقولهم فكأنه يقول : يا أيها المتربصون بأحباب الله الدوائر، المتمنون لأعدائه النصر - وقد قامت الأدلة على أن العزة جميعاً لله -! ما أضلكم في ظنكم أنه يخذل أولياءه! وما أغلظ أكبادكم! ويدخل في عمومها أنه لا يقتل مسلم بذمي، ولا يملك كافر مال مسلم قهراً ؛ ثم بين أن صورتهم في ضربهم الشقة بالوجهين صورة المخادع، وما أضلهم حيث خادعوا من لا يجوز عليه الخداع لعلمه بالخافيا، فقال معللاً لمنعهم السبيل. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٣٧ ـ ٣٣٨﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أن قوله ﴿الذين يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ﴾ إما بدل من الذين يتخذون، وإما صفة للمنافقين، وإما نصب على الذم، وقوله ﴿يَتَرَبَّصُونَ﴾ أي ينتظرون ما يحدث من خير أو شر، فإن كان لكم فتح أي ظهور على اليهود قالوا للمؤمنين ألم نكن معكم، أي فأعطونا قسماً من الغنيمة، وإن كان للكافرين يعني اليهود نصيب، أي ظفر على المسلمين قالوا ألم نستحوذ عليكم، يقال : استحوذ على فلان، أي غلب عليه وفي تفسير هذه الآية وجهان : الأول : أن يكون بمعنى ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم ثم لم نفعل شيئاً من ذلك ونمنعكم من المسلمين بأن ثبطناهم عنكم وخيلنا لهم ما ضعفت به قلوبهم وتوانينا في مظاهرتهم عليكم فهاتوا لنا نصيباً مما أصبتم.