وقال الشوكانى :
قوله :﴿ فالله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القيامة ﴾ بما انطوت عليه ضمائرهم من النفاق والبغض للحق وأهله، ففي هذا اليوم تنكشف الحقائق، وتظهر الضمائر، وإن حقنوا في الدنيا دماءهم، وحفظوا أموالهم بالتكلم بكلمة الإسلام نفاقاً ﴿ وَلَن يَجْعَلَ الله للكافرين عَلَى المؤمنين سَبِيلاً ﴾، هذا في يوم القيامة إذا كان المراد بالسبيل : النصر والغلب، أو في الدنيا إن كان المراد به الحجة.
قال ابن عطية : قال جميع أهل التأويل : إن المراد بذلك يوم القيامة.
قال ابن العربي : وهذا ضعيف لعدم فائدة الخبر فيه، وسببه توهم من توهم أن آخر الكلام يرجع إلى أوّله يعني قوله :﴿ فالله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القيامة ﴾ وذلك يسقط فائدته، إذ يكون تكرار هذا معنى كلامه وقيل المعنى : إن الله لا يجعل للكافرين سبيلاً على المؤمنين يمحو به دولتهم، ويذهب آثارهم، ويستبيح بيضتهم، كما يفيده الحديث الثابت في الصحيح " وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً " وقيل إنه سبحانه لا يجعل للكافرين سبيلاً على المؤمنين ما داموا عاملين بالحق غير راضين بالباطل، ولا تاركين للنهي عن المنكر، كما قال تعالى :﴿ وَمَا أصابكم مّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ﴾ [ الشورى : ٣٠ ] قال ابن العربي : وهذا نفيس جداً.
وقيل : إن الله لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا شرعاً، فإن وجد، فبخلاف الشرع.
هذا خلاصة ما قاله أهل العلم في هذه الآية، وهي صالحة للاحتجاج بها على كثير من المسائل.
وقال ابن عاشور :
وقوله :﴿ فالله يحكم بينكم يوم القيامة ﴾ الفاء للفصيحة، والكلام إنذار للمنافقين وكفاية لمُهمّ المؤمنين، بأن فوّض أمر جزاء المنافقين على مكائدهم وخزعبلاتهم إليه تعالى.


الصفحة التالية
Icon