سؤال : فإن قيل : إن الله تعالى لا يغفر شيئاً من الكفر فكيف قال :﴿ إِنَّ الذين آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازدادوا كُفْراً لَّمْ يَكُنْ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ ﴾ ؟
فالجواب أن الكافر إذا آمن غفر له كفره، فإذا رجع فكفر لم يغفر له الكفر الأول ؛ وهذا كما جاء في صحيح مسلم عن عبد الله قال :" قال أُناس لرسول الله ﷺ :( يا رسول الله ) أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية ؟ قال :"أمّا من أحسن منكم في الإسلام فلا يؤاخذ بها ومن أساء أخذ بعمله في الجاهلية والإسلام" " وفي رواية " ومن أساء في الإسلام أخذ بالأول والآخر " الإساءة هنا بمعنى الكفر ؛ إذ لا يصح أن يُراد بها هنا ارتكاب سيئة، فإنه يلزم عليه ألا يهدم الإسلام ما سبق قبله إلاَّ لمن يعصم من جميع السيئات إلاَّ حين موته، وذلك باطل بالإجماع. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٤١٥ ـ ٤١٦﴾.

فصل


قال الفخر :
دلت الآية على أن الكفر يقبل الزيادة والنقصان، فوجب أن يكون الإيمان أيضاً كذلك لأنهما ضدان متنافيان، فإذا قبل أحدهما التفاوت فكذلك الآخر، وذكروا في تفسير هذه الزيادة وجوهاً :
الأول : أنهم ماتوا على كفرهم.
الثاني : أنهم ازدادوا كفراً بسبب ذنوب أصابوها حال كفرهم، وعلى هذا التقدير لما كانت إصابة الذنوب وقت الكفر زيادة في الكفر فكذلك إصابة الطاعات وقت الإيمان يجب أن تكون زيادة في الإيمان.
الثالث : أن الزيادة في الكفر إنما حصلت بقولهم
﴿إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤن﴾ [ البقرة : ١٤ ] وذلك يدل على الاستهزاء بالدين أعظم درجات الكفر وأقوى مراتبه.
ثم قال تعالى :﴿لَّمْ يَكُنْ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾
وفيه سؤالان :
الأول : أن الحكم المذكور في هذه الآية إما أن يكون مشروطاً بما قبل التوبة أو بما بعدها، والأول باطل لأن الكفر قبل التوبة غير مذكور على الإطلاق، وحينئذ تضيع هذه الشرائط المذكورة في هذه الآية.


الصفحة التالية
Icon