هم يحاولون إذن الاستفادة من الكفار بقولهم : لقد تربصنا بالمؤمنين وانتظرنا ما يحدث لهم، ولا بد لنا من نصيب، ويقول الحق على ألسنتهم :﴿ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ واستحوذ على الشيء أي حازه وجعله في حيزه وملكه وسلطانه. والحق هو القائل :
﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ ﴾
[المجادلة : ١٩]
أي جعلهم الشيطان في حيزه، وقول المنافقين للكافرين :﴿ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ﴾ يكشف موقفهم عندما تقوم معركة بين معسكري الكفر والإيمان فيحاول المنافقون معرفة تفاصيل ما ينويه المؤمنون، ولحظة أن يدخل المنافقون أرض المعركة فهم يمثلون دور من يأسر الكافرين حماية لهم من سيوف المؤمنين. ثم يقولون للكافرين : نحن استحوذنا عليكم أي منعناكم أن يقتلكم المؤمنون، ويطلبون منهم الثمن.
ولنر الأداء البياني للقرآن حين يقول عن انتصار المؤمنين :﴿ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ ﴾ أما تعبير القرآن عن انتصار الكافرين فيأتي بكلمة " نصيب " أي مجرد شيء من الغلبة المؤقتة. ثم يأتي القول الفصل من الحق :﴿ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾.
وحين يرد الله أمر الكافرين والمؤمنين لا يرده دائماً إلى أمد قد لا يطول أجل السامع وعمره ليراه في الدنيا، فيأتي له بالمسألة المقطوع بها ؛ لذلك لا يقول للمؤمن : إنك سوف تنتصر. فالمؤمن قد يموت قبل أن يرى الانتصار. ولذلك يأتي بالأمر المقطوع وهو يوم القيامة حين تكون الجنة مصيراً مؤكداً لكل مؤمن ؛ لأن الحياة أتفه من أن تكون ثمناً للإيمان.