ومن فوائد الشيخ الشعراوى فى الآيتين
قال رحمه الله :
﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى ﴾
نعرف واقع المنافقين أنهم يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ؛ ويوضح الحق : إياكم أن تظنوا أن في قدرة مخلوق أن يفعل شيئاً بدون علم الله، وقد يمكر إنسان بك، وهو يعلم أنك تعلم بمكره، فهل هذا مكر ؟ لا ؛ لأن المكر هو الأمر الذي يتم خفية بتدبير لا تعلمه، والأصول في المكر ألا يعلم الممكور به شيئاً. والمنافقون حين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر يخادعون من يعلم خافية الصدور. وكان يجب أن يأخذوا درساً من معاملة الله بوساطة المؤمنين لهم، فقد صان المؤمنون دم المنافقين ومالهم. وأجرى المسلمون على المنافقين أحكام الإسلام، لكن ما الذي يبيته الله لهؤلاء المنافقين ؟ لقد بيت لهم الدرك الأسفل من النار. فمن الأقدر - إذن - على الخداع ؟
إن الذكي حقاً هو من لا يخدع من يعلم أنه قادر على كشف الخداع. وكلمة " خدع " تعني مكر به مكراً فيبدي له قولاً وفعلاً ويخفى سواهما حتى يثق فيه. وبعد ذلك ينفذ المكر. وهناك كلمة " خدع " وكلمة " خادع ". والحق في هذه الآية لم يقل إن الله يخدعهم، بل قال :﴿ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ ﴾.
و" خادع " تعني حدوث عمليتين، مثل قولنا : قاتل فلان فلانا. فالقتال يحدث بين طرفين، وكذلك نقول : شارك فلان فلانا ؛ لأن مادة " فاعل " تحتاج إلى طرفين. لكن عندما نقول " قتل "، فالفعل يحدث من جانب واحد. والخداع يبدأ من واحد، وعندما يرى الشخص الذي يُراد خداعه أن خصمه أقوى منه فإنه يبيت له خداعاً آخر، وتسمى العملية كلها " مخادعة "، ويقال : خادعه فخدعه إذا غلبه وكان أخدع منه. ومن إذن الذي غلب ؟ إن الذي بيَّت الخداع رداً على خداع خصمه هو الغالب.