وإذا تقرر هذا فقوله تعالى فى الآية الأولى :"إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا " حاصل منه وسم هؤلاء بشر وصف وأعظمه وأبلغه بأقصى غاية فى شنعة المرتكب فليست حال من كفر بعد إيمان كحال من لم يتقدم كفره إيمان قال تعالى فيمن توعده بأشد الوعيد :"من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم "
إلى ما وصفوا به من استحبابهم الحياة الدنيا على الآخرة وإنما وقع ذلك منهم بعد علمهم بكيان الآخرة وتصديقهم بها ثم اختاروا الدنيا عليها فحالهم حال من أضله الله على علم ولا أسوأ حال من هؤلاء.
أما الموصوفون فى الآية الثانية بالكفر والظلم فدون هؤلاء فى شنعة المرتكب والمبالغة فى الضلال ألا ترى أن حال الكافر الذى لم يتقدم منه إيمان ليست كحال من تقدم منه إيمان لكفر هذا على علم ولا حال من وصف بالظلم وإن كان يقع على الكفر وما دونه كحال من وصف فى الآية الأولى بعوده إلى الايمان ثم إلى الكفر بعد ذلك ثم الازدياد فى الكفر فلما بلغت حال هؤلاء فيما وصفوا به أشنع غايات الكفر والضلال وأشدها تخبطا ناسب ذلك الكناية عما صدوا عنه ومنعوه "بالسبيل " مناسبة بين حالهم والممنوع من محسود مآلهم ولما لم يكن وصف الآخرين بالكفر والظلم يبلغ شنعة المرتكب مبلغ أولئك عدل فى الكناية عما منعوه إلى ما يناسبه وجرى كل على ما يجب ويناسب ولم يكن عكس الوارد ليلائم ولا ليناسب والله أعلم. أ هـ ﴿ملاك التأويل صـ ١١٢ ـ ١١٣﴾


الصفحة التالية
Icon