ومجيء صفتهم بطريقة الموصول لإفادة تعليل استحقاقهم العذاب الأليم، أي لأنّهم اتّخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين، أي اتّخذوهم أولياء لأجل مضادّة المؤمنين.
والمراد بالكافرين مشركو مكة، أو أحْبار اليهود، لأنّه لم يْبق بالمدينة مشركون صُرحاءَ في وقت نزول هذه السورة، فليس إلاّ منافقون ويهود.
وجملة ﴿ أيبتغون عندهم العزّة فإنّ العزّة لله ﴾ استئنافٌ بياني باعتبار المعطوف وهو ﴿ فإنّ العزّة لله ﴾ وقوله :﴿ أيَبْتَغَون ﴾ هو منشأ الاستئناف، وفي ذلك إيماء إلى أن المنافقين لم تكن موالاتهم للمشركين لأجل المماثلة في الدين والعقيدة، لأنّ معظم المنافقين من اليهود، بل اتّخذوهم ليعتزّوا بهم على المؤمنين، وإيماء إلى أنّ المنافقين شعروا بالضعف فطلبوا الاعتزاز، وفي ذلك نهاية التجهيل والذمّ.
والاستفهامُ إنكار وتوبيخ، ولذلك صحّ التفريع عنه بقوله :﴿ فإنّ العزّة لله جميعاً ﴾ أي لا عزّة إلاّ به، لأنّ الاعتزاز بغيره باطل.
كما قيل : من اعتزّ بغير الله هَان.
وإن كان المراد بالكافرين اليهود فالاستفهام تهكّم بالفريقين كقول المثل : كالمستغيث من الرمضاء بالنار.
وهذا الكلام يفيد التحذير من مخالطتهم بطريق الكناية. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٨٣﴾
فائدة
قال السمرقندى :
﴿ بَشّرِ المنافقين ﴾ وذلك أنه لما نزل قوله تعالى :﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ الله مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صراطا مُّسْتَقِيماً ﴾ [ الفتح : ٢ ] فقال المؤمنون هذا لك فما لنا ؟ فنزل قوله تعالى :﴿ وَبَشِّرِ المؤمنين بِأَنَّ لَهُمْ مِّنَ الله فَضْلاً كِبِيراً ﴾ [ الأحزاب : ٤٧ ] فقال المنافقون : فما لنا ؟ فنزل قوله تعالى ﴿ بَشّرِ المنافقين ﴾ ﴿ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾ في الآخرة. أ هـ ﴿بحر العلوم حـ ١ صـ ٣٧٣﴾