الأول : أن المراد منه الذين يتكرر منهم الكفر بعد الإيمان مرات وكرات، فإن ذلك يدل على أنه لا وقع للإيمان في قلوبهم، إذ لو كان للإيمان وقع ورتبة في قلوبهم لما تركوه بأدنى سبب، ومن لا يكون للإيمان في قلبه وقع فالظاهر أنه لا يؤمن بالله إيماناً صحيحاً معتبراً فهذا هو المراد بقوله ﴿لَّمْ يَكُنْ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ وليس المراد أنه لو أتى بالإيمان الصحيح لم يكن معتبراً، بل المراد منه الاستبعاد والاستغراب على الوجه الذي ذكرناه، وكذلك نرى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع ثم يتوب ثم يرجع فإنه لا يكاد يرجى منه الثبات، والغالب أنه يموت على الفسق، فكذا ههنا.
الثاني : قال بعضهم : اليهود آمنوا بالتوراة وبموسى، ثم كفروا بعزير، ثم آمنوا بداود، ثم كفروا بعيسى، ثم ازدادوا كفراً عند مقدم محمد عليه الصلاة والسلام.
الثالث : قال آخرون : المراد المنافقون، فالإيمان الأول إظهارهم الإسلام، وكفرهم بعد ذلك هو نفاقهم وكون باطنهم على خلاف ظاهرهم، والإيمان الثاني هو أنهم كلما لقوا جمعاً من المسلمين قالوا إنا مؤمنون والكفر الثاني هو أنهم إذا دخلوا على شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون، وازديادهم في الكفر هو جدهم واجتهادهم في استخراج أنواع المكر والكيد في حق المسلمين، وإظهار الإيمان قد يسمى إيماناً قال تعالى ﴿وَلاَ تَنْكِحُواْ المشركات حتى يُؤْمِنَّ﴾ [ البقرة : ٢٢١ ] قال القفال رحمة الله عليه : وليس المراد بيان هذا العدد، بل المراد ترددهم كما قال ﴿مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء﴾ [ النساء : ١٤٣ ] قال والذي يدل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية ﴿بَشّرِ المنافقين بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾.