قال الواحدي : أصل العزة في اللغة الشدة، ومنه قيل للأرض الصلبة الشديدة : عزاز، ويقال : قد استعز المرض على المريض إذا اشتد مرضه وكاد أن يهلك، وعز الهم اشتد، ومنه عز على أن يكون كذا بمعنى اشتد، وعز الشيء إذا قل حتى لا يكاد يوجد لأنه اشتد مطلبه، واعتز فلان بفلان إذا اشتد ظهره به، وشاة عزوز التي يشتد حلبها ويصعب والعزة القوة منقولة من الشدة لتقارب معنييهما.
والعزيز القوي المنيع بخلاف الذليل.
إذا عرفت هذا فنقول : إن المنافقين كانوا يطلبون العزة والقوة بسبب اتصالهم باليهود، ثم إنه تعالى أبطل عليهم هذا الرأي بقوله ﴿فَإِنَّ العزة للَّهِ جَمِيعاً ﴾.
فإن قيل : هذا كالمناقض لقوله ﴿وَلِلَّهِ العزة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [ المنافقين : ٨ ].
قلنا : القدرة الكاملة لله، وكل من سواه فباقداره صار قادراً، وبإعزازه صار عزيزاً، فالعزة الحاصلة للرسول عليه الصلاة والسلام وللمؤمنين لم تحصل إلا من الله تعالى، فكان الأمر عند التحقيق أن العزة جميعاً لله. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٦٤﴾
وقال ابن عاشور :
وجملة ﴿ وقد نزّل عليكم في الكتاب ﴾ الخ يجوز أن تكون معطوفة على جملة ﴿ بشرّ المنافقين ﴾ تذكيراً للمسلمين بما كانوا أعلموا به ممّا يؤكّد التحذير من مخالطتهم، فضمير الخطاب موجّه إلى المؤمنين، وضمائر الغيبة إلى المنافقين، ويجوز أن تكون في موضع الحال من ضمير ( يتّخذون )، فيكون ضمير الخطاب في قوله :﴿ وقد نزّل عليكم ﴾ خطاباً لأصحاب الصلة من قوله :﴿ الذين يتّخذون الكافرين أولياء ﴾ [ النساء : ١٣٩ ] على طريقة الالتفات، كأنّهم بعد أن أجريت عليهم الصلة صاروا معيّنين معروفين، فالتُفت إليهم بالخطاب، لأنّهم يعرفون أنّهم أصحاب تلك الصلة، فلعلّهم أن يقلعوا عن موالاة الكافرين.


الصفحة التالية
Icon