ولما كانت آية الأنعام مكية اقتصر فيها على مجرد الإعراض وقطع المجالسة لعدم التمكن من الإنكار بغير القلب، وأما هذه الآية فمدنية فالتغيير عند إنزالها باللسان واليد ممكن لكل مسلم، فالمجالس من غير نكير راض، فلهذا علل بقوله :﴿إنكم إذاً﴾ أي إذا قعدتم معهم وهم يفعلون ذلك ﴿مثلهم﴾ أي في الكفر لأن مجالسة المظهر للإيماء المصرح بالكفران دالة على أن إظهاره لما أظهر نفاق، وأنه راض بما يصرح به هذا الكافر والرضى بالكفر كفر، فاشتد حسن ختم الآية بجمع الفريقين في جهنم بقوله مستأنفاً لجواب السؤال عما تكون به المماثلة :﴿إن الله﴾ أي الذي أحاط علمه فتمت قدرته ﴿جامع ﴾.
ولما كان حال الأخفى أهم قدم قوله :﴿المنافقين﴾ أي الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر فيقعدون مع من يسمعونه بكفر ﴿والكافرين﴾ أي الذين يجاهرون بكفرهم لرسوخهم فيه ﴿في جهنم﴾ التي هي سجن الملك ﴿جميعاً﴾ كما جمعهم معهم مجلس الكفر الذي هو طعن في ملك الملك، والتسوية بينهم في الكفر بالقعود معهم دالة على التسوية بين العاصي ومجالسه بالخلطة من غير إنكار. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٣٣٦ ـ ٣٣٧﴾
فصل
قال الفخر :
قال المفسرون : إن المشركين كانوا في مجالسهم يخوضون في ذكر القرآن ويستهزئون به، فأنزل الله تعالى :﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الذين يَخُوضُونَ فِى ءاياتنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حتى يَخُوضُواْ فِى حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ [ الأنعام : ٦٨ ] وهذه الآية نزلت بمكة، ثم إن أحبار اليهود بالمدينة كانوا يفعلون مثل فعل المشركين، والقاعدون معهم والموافقون لهم على ذلك الكلام هم المنافقون، فقال تعالى مخاطباً للمنافقين إنه ﴿قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِى الكتاب أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ ءايات الله يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا﴾ والمعنى إذا سمعتم الكفر بآيات الله والاستهزاء بها، ولكن أوقع فعل السماع على الآيات والمراد به سماع الاستهزاء.