ومن فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
و( أنْ ) في قوله :﴿ أنْ إذا سمعتم ﴾ تفسيرية، لأنّ ( نُزّل ) تضمّن معنى الكلام دون حروف القول، إذ لم يقصد حكاية لفظ ( ما نُزّل ) بل حاصل معناه.
وجعَلها بعضهم مخفّفة من الثقيلة واسمها ضمير شأن محذوفاً، وهو بعيد.
وإسناد الفعلين :﴿ يُكْفَر ﴾ و ﴿ يستهزأ ﴾ إلى المجهول لتتأتّى، بحذف الفاعل، صلاحية إسناد الفعلين إلى الكافرين والمنافقين.
وفيه إيماء إلى أنّ المنافقين يركنون إلى المشركين واليهود لأنّهم يكفرون بالآيات ويستهزئون، فتنثلج لذلك نفوس المنافقين، لأنّ المنافقين لا يستطيعون أن يتظاهروا بذلك للمسلمين فيشفي غليلَهم أن يسمع المسلمون ذلك من الكفّار.
وقد جعل زمان كفرهم واستهزائهم هو زمن سماع المؤمنين آيات الله.
والمقصود أنّه زمن نزول آيات الله أو قراءة آيات الله، فعدل عن ذلك إلى سماع المؤمنين، ليشير إلى عجيب تضادُّ الحالين، فلفي حالة اتّصاف المنافقين بالكفر باللَّه والهزل بآياته يتّصف المؤمنون بتلّقي آياته والإصغاء إليها وقصدِ الوعي لها والعمل بها.
وأعقب ذلك بتفريع النهي عن مجالستهم في تلك الحالة حتّى ينتقلوا إلى غيرها، لئلاّ يَتَوسّل الشيطان بذلك إلى استضعاف حرص المؤمنين على سماع القرآن، لأنّ للأخلاق عَدْوى، وفي المثل "تُعدي الصّحاحَ مَبَارِك الجُرْب".
وهذا النهي يقتضي الأمر بمغادرة مجالسهم إذا خاضوا في الكفر بالآيات والاستهزاء بها.
وفي النهي عن القعود إليهم حكمة أخرى : وهي وجوب إظهار الغضب لله من ذلك كقوله :﴿ تُلْقُونَ إليهم بالمودّة وقد كَفروا بما جاءكم من الحقّ ﴾ [ الممتحنة : ١ ].
و( حتّى ) حرف يعطف غاية الشيء عليه، فالنهي عن القعود معهم غايته أم يكفّوا عن الخوض في الكفر بالآيات والاستهزاء بها.