وأوضح منه وأطيب ما حاك في صدري، ثم رأيت العلامة الطيبي عليه الرحمة صرح به أن الذي يقتضيه النظم الفائق أن هذا الخطاب مع المنافقين، وأن قوله سبحانه :﴿ مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ ﴾ متصل بقوله تعالى :﴿ إِنَّ المنافقين فِى الدرك الأسفل مِنَ النار وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً ﴾ [ النساء : ١٤٥ ] الخ، وتنبيه لهم على أن الذي ورطهم في تلك الورطة كفرانهم نعم الله تعالى وتهاونهم في شكر ما أوتوا وتفويتهم على أنفسهم بنفاقهم البغية العظمى، وهو الإسعاد بصحبة أفضل الخلق ﷺ والانخراط في زمرة الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل فإذا تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله تعالى وأخلصوا دينهم له فأولئك حكمهم أن ينتظموا في سلك أولئك السعداء من المؤمنين بعد ما كانوا مستأهلين الدرجات السفلى من النيران، ثم التفت تعريضاً لهم أن ذلك العذاب كان منهم وبسبب تقاعدهم وكفرانهم تلك النعمة الرفيعة وتفويتهم على أنفسهم تلك الفرصة السنية وإلا فإن الله تعالى غني مطلق عن عذابهم فضلاً على أن يوقعهم في تلك الورطات، فقوله عز وجل :﴿ إِن شَكَرْتُمْ ﴾ فذلكة لمعنى الرجوع عن الفساد في الأرض إلى الإصلاح فيها، ومن اللجأ إلى الخلق إلى الاعتصام بالله تعالى، ومن الرياء في الدين إلى الإخلاص فيه، فقوله عز من قائل :﴿ وَءامَنتُمْ ﴾ تفسير له وتقرير لمعناه أي : وآمنتم الإيمان الذي هو حائز لتلك الخلال الفواضل جامع لتلك الخصال الكوامل، فتقديم الشكر على الايمان وحقه التأخير في الأصل إعلام بأن الكلام فيه، وأن الآية السابقة مسوقة لبيان كفران نعمة الله تعالى العظمى والكفر تابع فإذا أخر الشكر أخل بهذه الأسرار واللطائف، ومن ثم ذيل سبحانه الآية على سبيل التعليل بقوله جل وعلا :
﴿ وَكَانَ الله شاكرا ﴾ أي مثيباً على الشكر ﴿ عَلِيماً ﴾. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ١٧٩ ـ ١٨٠﴾


الصفحة التالية
Icon