﴿وَكَانَ الله شاكرا عَلِيماً﴾ لأنه تعالى لما أمرهم بالشكر سمى جزاء الشكر شكراً على سبيل الاستعارة، فالمراد من الشاكر في حقه تعالى كونه مثيباً على الشكر، والمراد من كونه عليماً أنه عالم بجميع الجزئيات، فلا يقع الغلط له ألبتة، فلا جرم يوصل الثواب إلى الشاكر والعقاب إلى المعرض. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١١ صـ ٧١﴾
وقال القرطبى :
﴿ وَكَانَ الله شَاكِراً عَلِيماً ﴾ أي يشكر عباده على طاعته.
ومعنى ﴿ يشكرهم ﴾ يثيبهم ؛ فيتقبل العمل القليل ويعطي عليه الثواب الجزيل، وذلك شكر منه على عبادته.
والشكر في اللغة الظهور، يقال : دابة شكور إذا أظهرت من السمن فوق ما تُعطَي من العلف، وقد تقدّم هذا المعنى مستوفى.
والعرب تقول في المثل ( أشْكَرُ من بَرْوَقَة ) لأنها يقال : تخضرّ وتنضُر بظلّ السحاب دون مطر. والله أعلم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٤٢٧﴾.
وقال ابن عاشور :
وجملة ﴿ وكان الله شاكراً عليماً ﴾ اعتراض في آخر الكلام، وهو إعلام بأنّ الله لا يعطّل الجزاء الحسن عن الذين يؤمنون به ويشكرون نعمَهُ الجمّة، والإيمان بالله وصفاته أوّل درجات شكر العبد ربّه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ٢٩٣﴾
من فوائد البغوى فى الآية
قال رحمه الله :
قوله تعالى :﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ ﴾ أي : إن شكرتم نعماءَهُ ﴿ وَآمَنْتُمْ ﴾ به، فيه تقديم وتأخير، تقديره : إن آمنتم وشكرتم، لأن الشكر لا ينفع مع عدم الإيمان، وهذا استفهام بمعنى التقرير، معناه : إنه لا يعذب المؤمن الشاكر، فإن تعذيبه عبادَهُ لا يزيد في ملكه، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا يُنْقِصُ من سلطانه، والشكرُ : ضد الكفر والكفر ستر النعمة، والشكر : إظهارُها، ﴿ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ فالشكر من الله تعالى هو الرضى بالقليل من عباده وإضعاف الثواب عليه، والشكر من العبد : الطاعة، ومن الله : الثواب. أ هـ ﴿تفسير البغوى حـ ٢ صـ ٣٠٣ ـ ٣٠٤﴾