وقال البيضاوى :
﴿ مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنْتُمْ ﴾ أيتشفى به غيظاً أو يدفع به ضرراً أو يستجلب به نفعاً وهو الغني المتعالي عن النفع والضر، وإنما يعاقب المصر بكفره لأن إصراره عليه كسوء مزاج يؤدي إلى مرض فإذا أزاله بالإِيمان والشكر ونفى نفسه عنه تخلص من تبعته، وإنما قدم الشكر لأن الناظر يدرك النعمة أولاً فيشكر شكراً مبهماً، ثم يمعن النظر حتى يعرف المنعم فيؤمن به. ﴿ وَكَانَ الله شاكرا ﴾ مثيباً يقبل اليسير ويعطي الجزيل. ﴿ عَلِيماً ﴾ بحق شكركم وإيمانكم. أ هـ ﴿تفسير البيضاوى حـ ٢ صـ ٢٧٢﴾
" فوائد لغوية وإعرابية "
قال ابن عادل :
في " مَا " وجهان :
أحدهما : أنها استفهامية، فتكون في محل نصب بـ " يَفْعَل " وإنما قُدِّم ؛ لكونه له صدر الكلام، والباءُ على هذا سببيةٌ متعلقةٌ بـ " يَفْعَلُ "، والاستفهام هنا معناه النفيُ، والمعنى : أن الله لا يفعلُ بعذابِكُمْ شيئاً ؛ لأنه لا يجلبُ لنفسِه بعذابكم نفعاً، ولا يدْفَعُ عنها به ضُرًّا، فأيُّ حاجة له في عذابكُمْ ؟ [ والمقصودُ منه حمل المكلَّفين على فعل الحَسَن والاحتراز عن القبيح ].
والثاني : أن " مَا " نافية ؛ كأنه قيل : لا يُعذِّبُكُمُ الله، وعلى هذا : فالباء زائدة، ولا تتعلَّق بشيءٍ.
[ قال شهاب الدين :] وعندي أن هذين الوجهين في المعنى شيءٌ واحدٌ، فينبغي أن تكون سبييةٌ في الموضعين أو زائدة فيهما ؛ لأن الاستفهام بمعنى النفْيِ، فلا فرق.
وقال البَغَوِي : هذا اسْتِفْهَام بمعْنَى التَّقْرير معناه : إنه لا يُعَذِّبُ المؤمِنَ الشَّاكِر، فإن تَعْذِيبَهُ عِبَادهُ لا يَزِيدُ في مُلْكِهِ، وتَرْكَهُ عُقُوبَتَهُم على فعلهم لا يُنْقصُ من سُلطانِه [ والشُّكْرُ ضد الكُفر، والكُفْر سَتْر النِّعْمَة والشُّكْرُ إظهَارُهَا ]، والمصدر هُنا مُضَاف لمفْعُولِهِ.
وقوله " إِن شَكَرْتُمْ " جوابُهُ مَحْذُوفٌ ؛ لدلالةِ ما قبله عليه، أي : إن شَكَرْتُم وآمَنْتُم فما يَفْعَلُ بعَذابكُم. أ هـ ﴿تفسير ابن عادل حـ ٧ صـ ٩٣ ـ ٩٤﴾.


الصفحة التالية
Icon