ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى مُقَابِلَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ فَقَالَ : وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَإِنْ كَانُوا لَا يَلْتَزِمُونَ الْعَمَلَ إِلَّا بِشَرِيعَةِ الْأَخِيرِ مِنْهُمْ، لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ مُرْسَلُونَ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنَّ مَثَلَهُمْ كَمَثَلِ الْوُلَاةِ الَّذِينَ يُرْسِلُهُمُ السُّلْطَانُ إِلَى الْبِلَادِ، وَمَثِلِ الْكُتُبِ الَّتِي جَاءُوا بِهَا كَمَثَلِ الْقَوَانِينِ الَّتِي تُصْدِرُ الْإِدَارَةُ السُّلْطَانِيَّةُ بِالْعَمَلِ بِهَا (وَلَا حَرَجَ فِي ضَرْبِ الْأَدْنَى مَثَلًا لِلْأَعْلَى) فَكُلُّ وَالٍ يُحْتَرَمُ لِأَنَّهُ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ، وَكُلُّ قَانُونٍ يُعْمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْأَخِيرُ
يَنْسَخُ مَا قَبْلُهُ، فَالتَّفْرِقَةُ إِمَّا مِنْ جَهْلِ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ جَهْلُ حَقِيقَةِ الرِّسَالَةِ وَالْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَإِمَّا مِنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَإِيثَارِهِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَرُسُلِهِ، فَالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِإِيمَانِهِمْ هُمُ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ حَقِيقَةَ الرِّسَالَةِ، وَبِهَا يَعْرِفُونَ الرُّسُلَ فَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ.