ولما كان هذا مما يستعظمه النبي ﷺ أشار إلى ذلك مبيناً تسلية له ﷺ أن عادتهم التعنت، وديدنهم الكفر وأنهم أغرق الناس في غلظ الأكباد وجلافة الطبائع، وأن أوائلهم تعنتوا على من يدعون الإيمان به الآن، وأنهم على شريعته، وأحب شيء فيه ما أراهم من تلك الآيات العظام التي منها استنقاذهم من العبودية بل من الذبح وأن ذلك تكرر منهم مع ما يشاهدونه من القوارع والعفو فقال :﴿فقد﴾ أي إن تستعظم ذلك فقد ﴿سألوا﴾ أي آباؤهم، أي وهم على نهجهم في التعنت فهم شركاؤهم ﴿موسى﴾ لغير داع سوى التعنت ﴿أكبر﴾ أي أعظم ﴿من ذلك﴾ أي الأمر العظيم الذي واجهوك به بعد ما ظهرت من المعجزات ما أوجبنا على كل من علمها الإيمان بك والتأديب معك، ثم بينه بقوله :﴿فقالوا أرنا الله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا شبيه له وتقصر العقول عن الإحاطة بعظمته ﴿جهرة﴾ أي عياناً من غير ستر ولا حجاب ولا نوع من خفاء بل تحيط به أبصارنا كما يحيط السمع بالقول الجهر، وهذا يدل على أن كلاً من السؤالين ممنوع لكونه ظلماً، لأدائه إلى الاستخفاف بما نقدمه من المعجزات، وعده غير كاف مع أن إنزا الكتاب جملة غير مناسب للحكمة التي بنيت عليها هذه الدار من ربط المسببات بالأسباب وبنائها عليها، لأن من المعلوم أن تفريق الأوامر سبب لخفة حملها، وذلك أدعى لامتثالها وايسر لحفظها وأعون على فهمها، وأعظم تثبيتاً للمنزل عليه وأشرح لصدره وأقوى لقلبه وأبعث لشوقه، والرؤية على هذا الوجه الذي طلبوه - وهو الإحاطة - محال فسؤالهم لذلك استخفاف مع أنه تعنت، ولذلك سبب عن سؤالهم قوله :﴿فأخذتهم﴾ أي عقب هذا السؤال وبسببه من غير إمهال أخذ قهر وغلبة ﴿الصاعقة﴾ أي نار نزلت من السماء بصوت عظيم هو جدير بأن لا يسمى غيره - إذا نسب إليه - صاعقة، فأهلكتهم ﴿بظلمهم﴾ أي بسبب ظلمهم بهذا السؤال وغيره، لكونه تعنتاً من غير مقتض له أصلاً، وبطلب الرؤية على وجه


الصفحة التالية
Icon