﴿ فَأَخَذَتْهُمُ ﴾ أي أهلكتهم لما سألوا وقالوا ما قالوا ﴿ الصاعقة ﴾ وهي نار جاءت من السماء.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : الصاعقة : الموت أماتهم الله تعالى قبل آجالهم عقوبة بقولهم ما شاء الله تعالى أن يميتهم، ثم بعثهم، وفي ثبوت ذلك تردد.
وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الصعقة ﴿ بِظُلْمِهِمْ ﴾ أي بسبب ظلمهم وهو تعنتهم وسؤالهم لما يستحيل في تلك الحالة التي كانوا عليها، وإنكار طلب الكفار للرؤية تعنتاً لا يقتضي امتناعها مطلقاً، واستدل الزمخشري بالآية على الامتناع مطلقاً، وبنى ذلك على كون الظلم المضاف إليهم لم يكن إلا لمجرد أنهم طلبوا الرؤية ثم قال : ولو طلبوا أمراً جائزاً لما سموا به ظالمين ولما أخذتهم الصاعقة، كما سأل إبراهيم عليه الصلاة والسلام إحياء الموتى فلم يسمه ظالماً ولا رماه بالصواعق، ثم أرعد وأبرق ودعا على مدعي جواز الرؤية بما هو به أحق.
وأنت تعلم أن الرجل قد استولى عليه الهوى فغفل عن كون اليهود إنما سألوا تعنتاً ولم يعتبروا المعجز من حيث هو مع أن المعجزات سواسية الأقدام في الدلالة ويكفيهم ذلك ظلماً، والتنظير بسؤال إبراهيم عليه الصلاة والسلام من العجب العجاب كما لا يخفى على ذوي الألباب.
﴿ ثُمَّ اتخذوا العجل ﴾ وعبدوه.
﴿ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات ﴾ أي المعجزات التي أظهرها لفرعون من العصا واليد البيضاء وفلق البحر.
وغيرها، أو الحجج الواضحة الدالة على ألوهيته تعالى ووحدته لا التوراة لأنها إنما نزلت عليهم بعد الاتخاذ ﴿ فَعَفَوْنَا عَن ذلك ﴾ الاتخاذ حين تابوا، وفي هذا على ما قيل : استدعاء لهم إلى التوبة كأنه قيل : إن أولئك الذين أجرموا تابوا فعفونا عنهم فتوبوا أنتم أيضاً حتى نعفو عنكم.
﴿ وَءاتَيْنَا موسى سلطانا مُّبِيناً ﴾ أي تسلطاً ظاهراً عليهم حين أمرهم أن يقتلوا أنفسهم توبة عن اتخاذهم، وهذا على ما قيل : وإن كان قبل العفو فإن الأمر بالقتل كان قبل التوبة لأن قبول القتل كان توبة لهم، لكن الواو لا تقتضي الترتيب، واستظهر أن لا يجعل التسلط ذلك التسلط بل تسلطاً بعد العفو حيث انقادوا له ولم يتمكنوا بعد ذلك من مخالفته. أ هـ ﴿ روح المعانى حـ ٦ صـ ﴾