وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ بِسُوءٍ فِيمَنْ كَانَ ظَاهِرُهُ السِّتْرَ وَالصَّلَاحَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يُحِبُّ ذَلِكَ، وَمَا لَا يُحِبُّ فَهُوَ الَّذِي لَا يُرِيدُهُ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَكْرَهَهُ وَنُنْكِرَهُ ؛ وَقَالَ :﴿ إلَّا مَنْ ظُلِمَ ﴾ فَمَا لَمْ يَظْهَرْ لَنَا ظُلْمُهُ فَعَلَيْنَا إنْكَارُ سُوءِ الْقَوْلِ فِيهِ. أ هـ ﴿أحكام القرآن للجصاص حـ ٣ صـ ﴾
وقال فى الميزان :
( بيان ) قوله تعالى : لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم " قال الراغب في مادة " جهر " يقال لظهور الشئ بإفراط لحاسر البصر أو حاسة السمع، أما البصر فنحو رأيته جهارا، قال الله تعالى :" لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة " " أرنا الله جهرة إلى أن قال - وأما السمع فمنه قوله تعالى :" سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ".
والسوء من القول كل كلام يسوء من قيل فيه كالدعاء عليه، وشتمه بما فيه من المساوئ والعيوب وبما ليس فيه، فكل ذلك لا يحب الله الجهر به وإظهاره، ومن المعلوم أنه تعالى منزه من الحب والبغض على حد ما يوجد فينا معشر الإنسان وما يجانسنا من الحيوان إلا أنه لما كان الأمر والنهى عندنا بحسب الطبع صادرين عن حب وبغض كنى بهما عن الإرادة والكراهة وعن الأمر والنهى.
فقوله " لا يحب الله الجهر بالسوء من القول " كناية عن الكراهة التشريعية أعم من التحريم والإعانة.
وقوله " إلا من ظلم " استثناء منقطع أي لكن من ظلم لا بأس بأن يجهر بالسوء من القول فيمن ظلمه من حيث ظلم، وهذه هي القرينة على أنه إنما يجوز له الجهر بالسوء من القول يبين فيه ما ظلمه، ويظهر مساوئه التي فيه مما ظلمه به، وأما التعدي إلى غيره مما ليس فيه، أو ما لا يرتبط بظلمه فلا دليل على جواز الجهر به من الآية.


الصفحة التالية
Icon