قوله :" لاَ تَعْدُوا " قرأ الجمهور :" تَعْدُوا " بسكون العين، وتخفيف الدال مِنْ عَدَا يَعْدُو، كَغَزَا يَغْزُو، والأصل :" تَعْدُوُوا " بواوين : الأولى لام الكلمة والثانية ضمير الفاعلين، فاستثقلتِ الضمة على لام الكلمة، فحُذِفَتْ، فالتقى بِحَذْفِها ساكنان، فحُذِفَ الأوَّل، وهو الواو الأولى، وبقيتْ واو الفاعلين، فوزنه : تَفْعُوا ومعناه : لا تعْتَدُوا ولا تَظْلِمُوا باصْطِيَاد الحِيتانِ فيه.
قال الوَاحِدِي : يُقال : عَدَا عليه أشَدَّ العَدَاءِ [ والعَدْو ] والعُدْوَان، أي : ظَلَمَه، وجَاوَز الحَدَّ ؛ ومنه قوله :﴿ فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ١٠٨ ] وقيل :﴿ لاَ تَعْدُواْ فِي السبت ﴾ من العَدْوِ بمعْنَى الحُضْرِ، والمُرَادُ به النَّهْي عن العَمَل والكَسْبِ يَوْم السَّبْتِ ؛ كأنه قِيل : اسْكُنُوا عَنِ العَمَلِ في هَذَا اليَوْم واقْعُدوا في مَنَازِلِكُم [ فأنا الرَزَّاق ].
وقرأ نافع بفتح العين وتشديد الدال، إلا أن الرواة اختلفوا عن قالون عن نافع : فرَوَوْا عنه تارةً بسكون العين سكوناً محضاً، وتارةً إخفاء فتحة العين، فأما قراءة نافع، فأصلها : تَعْتَدُوا، ويدلُّ على ذلك إجماعُهُمْ على :﴿ اعتدوا مِنْكُمْ فِي السبت ﴾ [ البقرة : ٦٥ ] كونه من الاعتداء، وهو افتعالٌ من العدوان، فأُريد إدغامُ تاء الافتعال في الدالِ، فنُقِلتْ حركتُها إلى العين، وقُلبت دالاً وأدغمت.
وهذه قراءةٌ واضحةٌ، وأما ما يُروَى عن قالون من السكُون المحْضِ، فشيءٌ لا يراه النحْويُّون ؛ لأنه جَمْعٌ بين ساكنينِ على غير حَدِّهما، وأمَّا الاختلاسُ فهو قريب للإتيان بحركة ما، وإن كانت خفيَّةً، إلا أنَّ الفتحة ضعيفةٌ في نَفْسِهَا، فلا ينبغي أن تُخْفَى لِتُزادَ ضعفاً ؛ ولذلك لم يُجز القراءُ رَوْمَهَا وقْفاً لضعفِها، وقرأ الأعمش :" تَعْتَدُوا " بالأصل الذي أدغَمُه نافع.