واختار أبو حيان عليه الرحمة تقدير لعناهم مؤخراً لوروده مصرحاً به كذلك في قوله تعالى :﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم ميثاقهم لعناهم ﴾ [ المائدة : ١٣ ] وجوز غير واحد تعلق الجار بحرمنا الآتي على أن قوله تعالى :﴿ فَبِظُلْمٍ ﴾ [ النساء : ١٦٠ ] بدل من قوله سبحانه :﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم ﴾، وإليه ذهب الزجاج، وتعقبه في "البحر" بأن فيه بعداً لكثرة الفواصل بين البدل والمبدل منه، ولأن المعطوف على السبب سبب فيلزم تأخر بعض أجزاء السبب الذي للتحريم عن التحريم، فلا يمكن أن يكون جزء سبب أو سبباً إلا بتأويل بعيد، وبيان ذلك أن قولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم ﴿ إِنَّا قَتَلْنَا المسيح ﴾ [ النساء : ١٥٧ ] متأخر في الزمان عن تحريم الطيبات عليهم، واستحسنه السفاقسي، ثم قال : وقد يتكلف لحله بأن دوام التحريم في كل زمن كابتدائه، وفيه بحث، وجعل العلامة الثاني الفاء في فبظلم على هذا التقدير تكراراً للفاء في فبما نقضهم عطفاً على ﴿ أَخَذْنَا مِنْهُمْ ﴾ ( النساء ؛ ١٥٤ )، أو جزاء شرط مقدر، واستبعده أيضاً من وجهين : لفظي ومعنوي، وبين الأول بطول الفصل وبكونه من إبدال الجار والمجرور مع حرف العطف، أو الجزاء مع القطع بأن المعمول هو الجار والمجرور فقط، والثاني : بدلالته على أن تحريم بعض الطيبات مسبب عن مثل هذه الجرائم العظيمة ومترتب عليه، ثم قال : ولو جعلت الفاء للعطف على ﴿ فَبِمَا نَقْضِهِم ﴾ كما في قولك : بزيد وبحسنه، أو فبحسنه أو ثم حسنه افتتنت لم يحتج إلى جعله بدلاً، وجوز أبو البقاء وغيره التعلق بمحذوف دل عليه قوله تعالى :﴿ بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ﴾ ورد بأن ذلك لا يصلح مفسراً ولا قرينة للمحذوف، أما الأول : فلتعلقه بكلام آخر لأنه رد وإنكار لقولهم ﴿ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾، وأما الثاني : فلأنه استطراد يتم الكلام دونه ؛ وكونه قرينة لما هو عمدة في الكلام يوجب أن لا يتم دونه.