وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وأبيّ وابن جبير والضحاك وعطاء أنهم قرءوا ﴿ إَلاَّ مَن ظَلَمَ ﴾ على البناء للفاعل، فالاستثناء منقطع، والمعنى لكن الظالم يحبه أو لكنه يفعل ما لا يحبه الله تعالى فيجهر بالسوء، والموصول في محل نصب، وجوز الزمخشري أن يكون مرفوعاً بالإبدال من فاعل يحب كأنه قيل : لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم على لغة من يقول : ما جاءني زيد إلا عمرو بمعنى ما جاءني إلا عمرو، ومنه ﴿ لاَّ يَعْلَمُ مَن فِى السموات والأرض الغيب إِلاَّ الله ﴾ [ النمل : ٦٥ ] وهي لغة تميمية، وعليها قول الشاعر :
عشية ما تغنى الرماح مكانها...
ولا النبل ( إلا ) المشرفي المصمم
وقد نقل هذه اللغة سيبويه وأنكرها البعض، وكفى بنقل شيخ الصناعة سنداً للمثبت، ونقل عن أبي حيان أنه ليس البيت كالمثال لأنه قد يتخيل فيه عموم على معنى السلاح، وأما زيد فلا يتوهم فيه عموم ولا يمكن تصحيحه إلا على أن أصله ما جاءني زيد ولا غيره، فحذف المعطوف لدلالة الاستثناء وكذا الآية التي ذكرت، ورد كما قال الشهاب بأنه لو كان التقدير ما ذكره في المثال لكان الاستثناء متصلاً والمفروض خلافه، وأن المراد كما يفهمه كلام الطيبي جعل المبدل منه بمنزلة غير المذكور حتى كأن الاستثناء مفرغ والنفي عام إلا أنه صرح بنفي بعض أفراد العام لزيادة اهتمام بالنفي عنه، أو لكونه مظنة توهم الإثبات، فيقولون : ما جاءني زيد إلا عمرو، والمعنى ما جاءني إلا عمرو فكذا ههنا المعنى لا يحب الجهر بالسوء إلا الظالم فأدخل لفظ ﴿ الله ﴾ تأكيداً لنفي محبته تعالى يعني لله سبحانه اختصاص في عدم محبته ليس لأحد غيره ذلك.