وقالات السوء هذه قد تكون بالحق وقد تكون بالباطل، فإن كانت في الحق مثلا فلن نستطيع أن نقول : إن كل الناس أهل سوء. وقد يبتدئ إنسان آخر بسباب، ويجوز أن يدعي إنسان على آخر سبابا. إذن فالحق سبحانه وتعالى يريد أن يحمي الآذان الإيمانية من ألسنة السوء، لذلك يقول :﴿ لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسواء مِنَ القول ﴾ ومقابلها بالطبع هو : أن الله يحب الجهر بالحسن من القول. وساعة يحبك الحق المجتمع هذه الحبكة الإيمانية، أيعالج ملكة على حساب ملكة أخرى؟. لا.
ونعلم أن النفس فيها حب الانتقام وحب الدفاع عن النفس وحب الثأر وما يروح به عن نفسه ويخفف ما يجده من الغيظ. والمثل العربي يقول :" من اسْتُغْضِب ولم يغضب فهو حمار " ؛ لأن الذي يُستغضب ولا يغضب يكون ناقص التكوين، فهل معنى ذلك أن الله يمتع الناس من قول كلمة سوء ينفث بها الإنسان عن صدره ويريح بها نفسه؟ لا، لكنه - سبحانه - يضع شرطاً لكلمة السوء هو :﴿ إِلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ ؛ لأن الظلم هو أخذ حق من إنسان لغيره.
وكل إنسان حريص على نفسه وعلى حقوقه. فإن وقع ظلم على إنسان فملكات نفسه تغضب وتفور، فإما أن ينفث بما يقول عن نفسه، وإما أن يكبت ويكتم ذلك.
فإن قال الله :﴿ لاَّ يُحِبُّ الله الجهر بالسوء مِنَ القول ﴾ واكتفى بذلك، لكان كبتاً للنفس البشرية. وعملية الكبت هذه وإن كانت طاعة لأمر الله لأنه لا يحب الجهر بالسوء من القول، ولكن قد ينفلت الكبت عند الانفعال، وينفجر ؛ لذلك يضع الحق الشرط وهو وقوع ظلم. فيوضح سبحانه : أنا لأ أحب الجهر بالسوء من القول، وأسمح به في حدوده المنفثة عن غيظ القلوب ؛ لأني لا أحب أن أصلح ملكة على حساب ملكة أخرى. ولذلك كان رسول الله ﷺ يقول :