قد يكون الذي دفع بالتي هي أحسن قد قال بلهجة من التعالي : سأعفو عنك، ومثل هذا السلوك المتكبر لا يجعل أحداً وليًّا حميمًا. لكن إن دفع حقيقة بالتي هي أحسن تواضعاً وسماحة، فلا بد أن يصير الأمر إلى ما قاله الله :﴿ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾. والتفاعلات النفسية المتقابلة يضعها الله في إطارات واضحة وسبحانه القائل :﴿ فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعتدى عَلَيْكُمْ ﴾ [ البقرة : ١٩٤ ]
وذلك حتى لا يستشرى المعتدي أيضاً، فهناك إنسان إذا تركناه مرة ومرة. يستشرى، لكن إذا ما أوقفناه عند حده فهو يسكت، وبذلك نرحم المجتمع من استشراء الفساد. ويُصعب الحق المسألة في رد الاعتداء.
ويثور سؤال : من القادر على تحقيق المثلية بعدالة؟. ونجد على سبيل المثال إنسانا ضرب إنساناً آخر صفعة على الوجه، فبأية قوة دفعٍ قد ضرب؟ وفي أي مكان ضرب؟ ولذلك نجد أن رد العدوان على درجة المثلية المتساوية أمر صعب. ومادام المأمور به أن أعتدى بمثل ما اعتدى به علي ؛ ولن أستطيع تحقيق المثلية، ولربما زاد الأمر على المثلية ؛ وبعد أن كنت المعتدَى عليه صرت المعتدِي، بذلك يكون العفو أقرب وأسلم.
والعمليات الشعورية التي تنتاب الإنسان في التفاعلات المتقابلة يكون لها مواجيد في النفس تدفع إلى النزوع.
والعملية النزوعية هي رد الفعل لما تدركه، فإن آذاك إنسان وأتعبك واعتدى عليك فأنت تبذل جهدًا لتكظم الغيظ، أي أن تحبس الغيظ على شدة. فالغيظ يكون موجوداً، ولكن المطلوب أن يمنع الإنسان الحركة النزوعية فقط. وعلى المغتاظ أن يمنع نفسه من النزوع، وإن بقي الغيظ في القلب. ﴿ والكاظمين الغيظ ﴾ [ آل عمران : ١٣٤ ]
هذه مرحلة أولى تتبعها مرحلة ثانية هي :﴿ والعافين عَنِ الناس ﴾ [ آل عمران : ١٣٤ ]