قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ : وَهَذَا صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّةُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ مَنْ يَدْعُو عَلَى سَارِقٍ سَرَقَهُ، فَقَالَتْ : لَا تَسْتَحْيِي عَنْهُ، أَيْ لَا تُخَفِّفْ عَنْهُ بِدُعَائِك، وَهَذَا إذَا كَانَ مُؤْمِنًا ؛ فَأَمَّا إذَا كَانَ كَافِرًا فَأُرْسِلْ لِسَانَك وَادْعُ بِالْهَلَكَةِ، وَبِكُلِّ دُعَاءٍ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّصْرِيحِ عَلَى الْكُفَّارِ بِالدُّعَاءِ وَتَعْيِينِهِمْ وَتَسْمِيَتِهِمْ ؛ وَلِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : إذَا كَانَ الرَّجُلُ مُجَاهِرًا بِالظُّلْمِ دَعَا عَلَيْهِ جَهْرًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِرْضٌ مُحْتَرَمٌ، وَلَا بَدَنٌ مُحْتَرَمٌ، وَلَا مَالٌ مُحْتَرَمٌ.
وَقَدْ فَصَّلْنَا ذَلِكَ فِي أَحْكَامِ الْعِبَادِ فِي الْمَعَادِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَّا مَنْ ظُلِمَ ﴾ : قُرِئَ بِفَتْحِ الظَّاءِ، وَقُرِئَ بِضَمِّهَا، وَقَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ : كِلَا الْقِرَاءَتَيْنِ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنَى : لَكِنْ مَنْ ظُلِمَ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعَ " مَنْ " رَفْعًا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ أَحَدٍ.
التَّقْدِيرُ : لَا يُحِبُّ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ لِأَحَدٍ إلَّا مَنْ ظُلِمَ.
وَاَلَّذِي قَرَأَهَا بِالْفَتْحِ هُوَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَكَانَ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْقُرْآنِ، وَقَدْ أَغْفَلَ الْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى الْآيَةِ تَقْدِيرَهَا وَإِعْرَابَهَا، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ.