والثاني : أنه منقطع، وإذا قيل بأنه متصل، فقيل : هو مستثنى من " أحَد " المقدَّرِ الذي هو فاعلٌ للمصدر، فيجوز أن تكون " مَنْ " في محلِّ نصبٍ على أصل الاستثناء، أو رفعٍ على البدل من " أحَد "، وهو المختار، ولو صُرِّح به، لقيل : لا يُحِبُّ الله أنْ يَجْهَرُ أحَدٌ بالسُّوء إلا المَظْلومُ، أو المظلومَ رفعاً ونصباً، ذكر ذلك مكي وأبو البقاء وغيرُهما، قال أبو حيان :" وهذا مذهبُ الفراء، أجاز في " مَا قَامَ إلاَّ زيدٌ " أن يكون " زَيْد " بدلاً من " أحَد "، وأمَّا على مذهب الجمهور، فإنه يكون من المستثنى الذي فُرِّغ له العاملُ، فيكون مرفوعاً على الفاعليَّة بالمصدر، وحسَّن ذلك كونُ الجَهْر في حيِّز النفي، كأنه قيل : لا يَجْهَرُ بالسُّوءِ من القولِ إلا المظلومُ " انتهى، والفرقُ ظاهرٌ بين مذهب الفراء وبين هذه الآية ؛ فإن النحويِّين إنما لم يَرَوْا بمذهب الفراءِ، قالوا : لأن المحذوف صار نَسْياً مَنْسِيًّا، وأما فاعل المصْدر هنا، فإنه كالمنطوقِ به ليس منسياً، فلا يلزمُ من تجويزهم الاستثناء من هذا الفاعل المقدَّر أن يكونوا تابعين لمذْهَب الفرَّاء ؛ لما ظهر من الفرق، وقيل : هو مستثنى مفرَّغٌ، فتكون " مَنْ " في محلِّ رفع بالفاعلية ؛ كما تقدَّم في كلام أبي حيان، والتفريغُ لا يكون إلا في نفي أو شبهه، ولكنْ لَمَّا وقع الجهْرُ متعلَّقاً للحُبِّ الواقعِ في حيِّز النفْي ساغ ذلك، وقيل : هو مستثنىً من الجَهْر ؛ على حذف مضافٍ، تقديرُه : إلا جَهْرَ من ظُلِمَ، فهذه ثلاثة أوجه على تقدير كونه متَّصِلاً، تحصَّل منها في محل " مَنْ " أربعةُ أوجه : الرفع من وجهين، وهما البدلُ من " أحَد " المقدَّر، أو الفاعليَّة ؛ على كونه مفرَّغاً، والنصبُ ؛ على أصلِ الاستثناء من " أحد " المقدَّر، أو من الجهر ؛ على حَذْفِ مضاف.


الصفحة التالية
Icon